opened book

البدائل الشرعية للسندات التقليدية

مقدمــة

لم يكن ارتباطي بفكرة المصارف الإسلامية ارتباط عمل ولا هو ارتباط ينطلق من الصلة بين هذه البنوك وبين تطبيقها لمبادئ الإسلام وأصوله حيث تضفي على مثل هذا الارتباط العاطفة الدينية إنما جاء ارتباطي بها بعد دراسة وتأمل رسخت اعتقادي بإيمانٍ جازم بأن مثل هذه البنوك هي الأساس في تنمية أمتنا الإسلامية خاصة والعالم عامه.   فهي السبيل إلى تطبيق نظام اقتصادي إسلامي شامل.  

إن النظام الاقتصادي الإسلامي لقادر على أن يقدم صيغاً تمويلية متعددة ويحرك اقتصادا عالمياً يُبنى على العدل وتكافؤ الفرص.   ولا تنمية متوازنة بدون عدالة في التوزيع فإفرازات الاقتصاد الوضعي جاءت متسمة بالجور إلى حد كبير وغلبّـت مصلحة فئة على أخرى بحيث أصبح 80% من ثروات العالم في يد 20% من البشر تقريباً وأصبح ثلث سكان العالم يتعيش الفرد منهم على دولار واحد في اليوم.   لذا كلما أمعن  الباحث و درس بروية جوانب الاقتصاد الإسلامي المرتكز على الكتاب والسنة كلما عظم في عينه هذا الاقتصاد وأيقن أن خلاص العالم من الويلات الاقتصادية يكمن في إتباع نموذج اقتصادي إسلامي.

ونمط الطرح الاقتصادي الإسلامي يدل على أن مناخه سيكون بعيداً عن التضخم الجموح على الأقل لسبب بسيط وهو انه لا يتجـر في النقود ، وينصب النشاط الاقتصادي إما على جهد أو موجودات.   ومما أثرى الفكر الاقتصادي الإسلامي تلك الأقلام التي بدأت تطرح الموضوع بشكل علمي بعيداً عن المدارس الاقتصادية الغربية أو الشرقية وذلك في منتصف الأربعينات وتبلورت الفكرة لتجد طريقها نحو التطبيق في منتصف الأربعينيات والزمن مابين الفترتين كان تهيئة وإعداداً لتوفير القناعات في جدوى التطبيق.

ولقد رأيت في بداية الثمانينات أنه لابد من وضع إستراتيجية تبدأ بالمحلية حيث الإيمان بسماحة الإسلام وعدله وشموليته ثم تنطلق وبعد نجاح التطبيق المحلي والإقليمي نحو العالمية فعرضت حينها إستراتيجية تتلخص في ثلاثة محاور:

أولا: رفع بلوى الربا عن الجمهور : 

وذلك باستقطاب الجماهير لتتعامل في حياتها اليومية بالأسلوب المالي الشرعي ويلزم مثل ذلك التوجه تأسيس المؤسسات المالية من بنوك وشركات استثمار وشركات تأمين وغيرها وجميعها تلتزم بتطبيق الشريعة الإسلامية.

ثانياً: رفع بلوى الربا عن الحكومات :

وهذه هي المرحلة الثانية إذ لا يكفي لتطبيق الاقتصاد الإسلامي تعامل الناس بالأسلوب الشرعي بل لابد وأن نبحث عن البدائل التي تعين الحكومات أيضا على سد احتياجاتها التمويلية بالأسلوب المقبول مشرعاً.

ثالثاً: عولمة الاقتصاد الإسلامي : 

وبعد نجاح الخطوتين المذكورتين وظهور نماذج ناجحة ننطلق نحو العالمية في التطبيق ابتداء بعرض النجاحات وانتهاء بتشكيل الاقتصاد العالمي على أسس ومبادئ الاقتصاد الإسلامي.

وتكون هذه الإنطلاقه بداية عولمة إسلامية ننشر من خلالها قيم الإسلام السمحة والفارق كبير بين بواعث العولمة التي ينادى بها اليوم وبين بواعث العولمة الإسلامية والتي تم ممارستها في القرون الأولى من الإسلام حيث تم نشر الاقتصاد والثقافة وتكنولوجيا العصر حين ذاك.

إن التغيرات الاقتصادية لا يتأتى نجاحها بالانقلابات والثورات الفكرية ولست مع أولئك الذين ينادون بالاسلمة الجبرية للاقتصاد أوعن طريق مراسيم حكومية بل أنا مع التدرج بحيث تأخذ التجربة مداها وتثبت أمام المنافسة والتحديات فذاك هو الامتحان الصعب والنجاح غير المشكوك فيه.

لقد أتت المرحلة الأولى أُكلها وبرزت العديد من المؤسسات المالية الإسلامية  وساهمت بجداره في حل كثير من التحديات وبقى التركيز الآن على المرحلة الثانية وتوجيه نظر الحكومات لتنهج نهجاً اقتصاديا ينطلق من تراث ديني عالمي أرسل للناس كافه.   وما هذا البحث إلا محاولة في نهج ذلك الطريق.      

دور الحكومة في الاقتصاد

هناك جدليه قائمة لم تحسم بعد حول دور الحكومة في الاقتصاد فآدم سميث قصر دور الحكومة على الدفاع والأمن وضمان سير نظام السوق بشكل سليم وجاءت التجربة الاشتراكية لتعطي الحكومة دوراً أكثر تدخلاً في المجال الاقتصادي وانهارت التجربة الاشتراكية وتزايد التوجه نحو تقليص دور الحكومة في النشاط الاقتصادي وبدأت الحكومات تتخلص من بعض مهامها وتتجه نحو برامج الخصخصة لعدد من المشاريع الهامة.   ومازال الجدل حول دور الحكومة في الاقتصاد لم ينته بعد ولا يوجد اتفاق واضح ترتاح إليه النفوس لمثل ذلك الدور.    

إن الدور المنوط بالحكومة ينعكس بلاشك على أدوات السياستين المالية والنقدية.   ولكن ما يجب أن نستقر عليه هو أن علاقات السوق يجب أن تكون هي المرجحة عند رسم الاقتصاد العام وأن تدخل الحكومة يكون بالحدود الدنيا وأن هدف الأدوات المالية المطروحة في السوق يجب أن يكون هدفاً تنموياً.   وأن تطغى التوجهات التنموية في الدولة على التوجهات العسكرية. 

إن خلق التوازن بين المصروفات والإيرادات يجب أن يحظى بالأولوية لدى الحكومات وكلما زاد حجم العجز مقارنه بالناتج المحلي كلما زاد لجوء الحكومة إلى الاعتماد على القروض والإعانات وهي كلها سبل لها ثمن وهو تخلي الحكومة عن جزء من سيادتها وهذا مابدا واضحاً في هذا العصر.   ولذلك فإن الأسلوب الإسلامي في الاقتراض الحكومي يحد من يد الحكومة في التمادي في الاقتراض حيث لابد من موجودات تكون اصلاً للسندات المطروحة وبهذا يصعب على الحكومة المبالغة في إثمان موجوداتها.

ماهي السندات الحكومية وماالاسباب الداعية لطرحها

السند لغة معناه الاعتماد والركون والاتكاء ولكنه في لغة الاقتصاد هو وثيقة مالية لها قيمة وزمن محددين وتستحق فائدة دورية إذن هي وثيقة إقراض بفائدة وهذا مايدخله في الربا المحرم.   وهي استثمار متوسط أو طويل الأجل يصل استحقاقه إلى ثلاثين سنه أحيانا.  

 ومن مميزات السندات أنها قابلة للتسييل في السوق الثانوية وقابلة للإستدعاء من قبل الجهة المصدره قبل استحقاقها.

ونظراً لإقبال المستثمرين على السندات بسبب انخفاض مخاطرها فقد ظهرت مؤسسات مالية في السوق تشتري هذه السندات بالملايين ثم تعرضها على صغار المستثمرين مقابل عائد تحققه وهناك سندات أخرى مثل السندات الخاصة والسندات لحاملها وأذونات الخزانة وغيرها.  

من أهم مميزات السندات مايلي: 

  1. أوراق مضمونة من قبل الدولة المصدرة وعليه فإن مخاطرها محدودة. 
  2. رافد من روافد تغطية العجز في الميزان الحكومي، فعن طريق طرح هذه السندات يتكون للدولة موارد مالية مصدرها السوق المحلية تواجه بها الإنفاق العام.
  3. تعمل على إيجاد سوق ثانوية ينجم من جرائها انسياب هذه السندات بين المؤسسات والأفراد فيتم تحويل هذه السندات من جهة إلى أخرى.
  4. أداة من أدوات التحكم وتنظيم حركة النقد لدى البنوك المركزية فعن طريق تحريك هذه السندات يمكنها أن تؤثر في تنشيط الاقتصاد.

دواعي إصدار السندات الحكومية

من المعلوم بأن الدولة (أي دولة) منوط بها مجموعة من الخدمات والأعمال ويترتب على أداء تلك الخدمات التزامات مالية وعليه فإنها بحاجة إلى موارد لتغطية تلك الالتزامات وعادة ما تتكون ميزانية الدولة في جانبيها من البنود التالية: 

  • جانب الإيرادات

إيرادات من بيع ثروات وطنية كالنفط أو المعادن أو محاصيل زراعية … الخ.

  • إيرادات من الضرائب.
  • إيرادات من استثمارات الأملاك…الخ.
  • إيرادات من المنتجات الخدمية السلعية.
  • إيرادات متنوعة مثل الغرامات والجزاأت…الخ.
  • جانب المصروفات
    • نفقات القوى العاملة 
    • نفقات أمنيه 
    • نفقات صيانة
    • نفقات السلع الرأسمالية والاستهلاكية
    • نفقات متنوعة

ونجد في جانب النفقات في بعض ميزانيات الدول وخاصة النامية بندا في المصروفات تحت اسم “تسديد فوائد القروض”.

مما يعني أن الدولة قلت إيراداتها عن نفقاتها فاضطرت إلى الاقتراض  0

 ومن المعروف والدارج في عصرنا الحاضر أن الدولة عندما تزيد مصروفاتها عن إيراداتها تلجأ غالباً لسد ذلك العجز إلى إحدى الطرق التالية:

  1. طلب الإعانة من الغير 
  2. الاقتراض أما محلياً أو عالمياً 

والعجز في الميزانية أما أن يكون دائماً أو مؤقتاً:

  • العجز الدائم: 

هو زيادة دائمة في المصروفات عن الإيرادات يصعب فيها خلق التوازن في الميزانية وتبرز مثل هذه الظاهرة نتيجة سلبيات متعددة منها سوء التوزيع وعدم ترشيد الإنفاق والتسيب الإداري وبروز المشاكل السياسية التي يتم حلها على حساب الأوضاع المالية ومثل هذه الظاهرة لاتحل إلا بالتخلي عن تلك السلبيات ووضع إستراتيجية يضمن بها التوازن بين الإيرادات والمصروفات.

  • العجز المؤقت:

قد يحدث لفترة زمنية مؤقتة أن يزيد الإنفاق عن الموارد لأسباب طارئة منها على سبيل المثال انخفاض الدخل من مورد من الموارد نتيجة أمر طارئ أو الحاجة لزيادة الإنفاق في بعض بنود المصاريف لأسباب معينه (دفاعية أو أمنيه أو تطويرية…الخ).   وغالباً ما يعالج هذا العجز بالاقتراض من السوق المحلية عن طريق إصدار سندات الخزانة.  

ماهي سندات الخزانة

سندات الخزانة هي أوراق مالية قابلة للتداول ومضمونة من قبل الحكومة المصدرة لها وهي من الأدوات المالية التي تقبل عليها المصارف ورجال المال لأنها وسيلة سريعة لتوظيف الفائض النقدي المتوفر لديهم.   وهي تتميز أيضا بسرعة تحويلها إلى نقد كما أن طبيعتها الزمنية قصيرة.

أنواع الاقتراض الحكومي:  

هناك وسائل عديدة عصرية للاقتراض الحكومي وقد تختلف هذه الوسائل من دولة إلى أخرى ولكنها في مجملها تعطي نتيجة واحدة ومفهوماً متقارباً وجميعها تكون على هيئة سندات نورد مثالين منها:

1. سندات الخزانة TREASURY BONDS:

وتتراوح آجال هذه السندات بين الخمس سنوات إلى ثلاثين سنة ومن حق الحكومة استدعاء هذه السندات مرة واحدة أو على فترات بقيم وآجال محددة تذكر في نشرة الإصدار وحامل هذا السند من حقه تحويله إلى طرف ثالث ويتم تداوله هكذا حتى تاريخ الاستحقاق.   كما أن بعض المؤسسات في الغرب اشترت بملايين من الدولارات من هذه السندات وقامت  بتوزيعها إلى حصص صغيرة بغية اجتذاب أموال صغار المستثمرين0 

2. آذونات الخزانة TREASURY BILLS :

هي أدوات تساعد الحكومة على الاقتراض القصير الأجل وعادة ما تكون مدة هذه الأذونات ثلاثة وحتى اثنا عشر شهراً وتباع بسعر أقل من السعر الاسمي.

وعند استحقاقها تدفع الحكومة القيمة الاسمية الظاهرة على السند وعليه فيشكل الخصم ربحاً لحامل السند.

الحكم الشرعي للسندات: 

مما ذكر فإن سندات الخزانة تحمل عناصر الربا وعليه فهي غير جائزة شرعاً ولقد قام مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي يعقد العديد من الندوات كان الهدف من ورائها تبصير المفكرين بضرورة البحث عن البدائل نظراً لأهمية هذه السندات في المساق المالي وحاجة الحكومات إليها.

وقد اصدر المجمع قرارات حول هذا الموضوع منها قرار رقم 62/11/6 المتخذ في دورته المنعقد في 17–23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 مارس 1990 هذا نصه :

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجده في
المملكة العربية السعودية من 17-23 شعبان 1410هـ الموافق
14-20 مارس 1990م.

بعد إطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (الأسواق المالية) المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1410هـ الموافق 20-24 أكتوبر 1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية وباستضافة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية.

وبعد الإطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الأسمية عند الإستحقاق مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند أو ترتيب نفع مشروط سواء كان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغاً مقطوعاً أم خصمه.

قــــــــــــرر

  1. إن السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا اثر لتسميتها شهادات أو صكوكا استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحا أو ريعا أو عمولة أو عائدا.
  2. تحرم أيضا السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات. 
  3. كما تحرم أيضا السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاَ اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار.
  4. من البدائل للسندات المحرمة- إصدارً أوشراءً أو تداولاً- السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر مايملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلا ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم 5 للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة.  

كما جاء في قرار المجمع رقم 30(5/4) الصادر في 11/2/1988 شرحاً مطولاً حول السندات هذا نصه:

قـرار رقـم:  30(5/4)

بشــأن

سندات المقارضة وسندات الاستثمار

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في
المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادي الآخر 1408هـ ،
الموافق 6-11 شباط (فبراير) 1988م.

بعد إطلاعه على الأبحاث المقدمة في موضوع سندات المقارضة وسندات الاستثمار، والتي كانت حصيلة الندوة التي أقامها المجمع بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 6-9 محرم 1408هـ الموافق 2-8 أيلول 1987م تنفيذاً للقرار رقم (10/3) المتخذ في الدورة الثالثة للمجمع وشارك فيها عدد من أعضاء المجمع وخبرائه وباحثي المعهد وغيره من المراكز العلمية والاقتصادية، وذلك للأهمية البالغة لهذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه، للدور الفعال لهذه الصيغة في زيادة القدرات على تنمية الموارد العامة عن طريق اجتماع المال والعمل، وبعد استعراض التوصيات العشر التي انتهت إليها الندوة وغيرها، قرر مايلي: 

أولا: من حيث الصيغة المقبولة شرعاً لصكوك المقارضة:

  1. سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القرض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كل منهم فيه.   ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية صكوك المقارضة.
  2. الصورة المقبولة شرعاً لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:

العنصر الأول:

أن يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته.

وتترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعاُ للمالك في ملكه من بيع وهبه ورهن وإرث وغيرها، مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.

العنصر الثاني:

يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها نشرة الإصدار وأن الإيجاب يعبر عنه الاكتتاب في هذه الصكوك، وأن القبول تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.   ولابد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعاُ في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.

العنصر الثالث:

أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذوناً فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية: 

  1. إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال مايزال نقوداً فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف. 
  2. إذا أصبح مال القراض ديوناً تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام التعامل بالديون.
  3. إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقاً للسعر المتراضي عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعياناً ومنافع.   أما إذا كان الغالب نقوداً أو ديوناً فتراعي في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.

وفي جميع الأحوال يتعين تسجيل التداول أصولياً في سجلات الجهة المصدرة. 

العنصر الرابع: 

أن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب، أي عامل المضاربة، ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك، فهو رب مال بما أسهم به، بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار، وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.

وأن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.

3- مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول:

يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية، إن وجدت بالضوابط الشرعية، وذلك وفقاً لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين.   كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو أيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين، ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة، وفقاً لظروف السوق والمركز المالي للمشروع.   كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.

4- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمناً بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.

5- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقاً أو مضافاً للمستقبل.   وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعداً بالبيع وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضا الطرفين.

  1.    لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصاً يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلاً.

ويترتب على ذلك: 

  1.  عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.
  2. أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة.   ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقاً لشروط العقد.
  3.    أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلناً وتحت تصرف حملة الصكوك. 

7- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة.   وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيراداً أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته، وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.

8- ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة حملة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.

  1. ليس هناك ما يمنع شرعاً من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزاما مستقلاً عن عقد المضاربة، بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطاً في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه، ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به، بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.

ثانياً: استعرض مجلس المجمع أربع صيغ أخرى اشتملت عليها توصيات الندوة التي أقامها المجمع، وهي مقترحة للاستفادة منها في إطار تعمير الوقف واستثماره دون الإخلال بالشروط التي يحافظ فيها على تأييد الوقف وهي:

أ) إقامة شركة بين جهة الوقف بقيمة أعيانه وبين أرباب المال بما يوظفونه لتعمير الوقف.

 ب) تقديم أعيان الوقف  – كأصل ثابت – إلى من يعمل فيها بتعميرها من ماله بنسبة من الريع.

ج) تعمير الوقف بعقد الاستصناع مع المصارف الإسلامية، لقاء بدل من الريع.

د) إيجار الوقف بأجرة عينية هي البناء عليه وحده، أو مع أجرة يسيرة.   

وقد أتفق رأي مجلس المجمع مع توصية الندوة بشأن هذه الصيغ من حيث حاجتها إلى مزيد من البحث والنظر، وعهد إلى الأمانة العامة الاستكتاب فيها، مع البحث عن صيغ شرعية أخرى للاستثمار، وعقد ندوة لهذه الصيغ لعرض نتائجها على المجمع في دورته القادم

البديل الشرعي لسندات الخزانة

في تدرجنا لرفع بلوى الربا عن الجمهور والحكومات بدأ المهتمون بالاقتصاد الإسلامي يطرحون البدائل الشرعية لسندات الخزانة ولقد كان لي شرف المشاركة في تقديم أبحاث حول هذا الموضوع منذ 1981.

 انه من المهم عند طرح هذا الموضوع التحدث في الصيغة التي سيعتمد عليها هل هي صيغة مضاربة أم إيجاره …الخ.

إن أهم صيغة سيعتمد عليها في سياق طرحنا التالي هو البيع ولذلك لابد من تناول موضوع البيع والذي اعتبره الأساس في إصدار السندات بشئ من التوضيح.

البيــــوع فــــي الإســــلام

يقول الله سبحانه في سورة البقرة

” قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا”

من نص هذه الآية يتضح أن هناك فارق كبير بين الربا والبيع كالفارق بين الحلال والحرام.

ولقد تحدث الفقهاء طويلا في البيع وعرفوه تعريفاً دقيقاً فهو:

“عقد بين طرفين يتضمن نقل ملكية سلعة أو منفعة من شخص إلى آخر مقابل عوض”

فهو إذن يفيد تقديم شئ له ثمن تعارف الناس عليه يحقق الفائدة نظير ثمن محدد.   وللبيع أركان يجب توافرها حتى يكون صحيحاً وفيما يلي ذكر موجز لتلك الأركان.

1-الصيغة :

مايصدر من طرفي العقد (البائع والمشترى) من إيجاب وقبول دالاً على إنشاء المبادلة ويمكن أن يكون ذلك بالقول أو الفعل أو الإشارة أو بأي وسيلة أخرى تفضي إلى نفس المفهوم ولا توجد عبارات أو أداء محدد لذلك إذ العبرة على ما تعارف عليه الناس في كل عصر والمهم أن تكون الصيغة مفهومة وواضحة لا تفضى إلى نزاع ولا تكون مقترنة بشرط فاسد فيفسد العقد ولا بشرط باطل فيصح العقد ويبطل الشرط.

2-العاقدان: 

– البائـــع:  وهو من بيده السلعة.

– المشتـري:  وهو من معه الثمن لشراء السلعة.

ويجب أن تتوفر في العاقدين الأهلية المعتبرة شرعاً كما فصلها الفقهاء. 

3-المبيع:

وهي السلعة أي مايمتلكه المشتري بعقد البيع من البدلين.

ويشترط في المبيع شرطان: 

  • أن يكون موجوداً.
  • أن يكون مالاً منقولاً

ويشترط لصحة المبيع شروط ثلاثة: 

* أن يكون مقدور التسليم

* أن يكون معلوماً

* أن تكون معاوضته بغيره فيه فائدة مقبولة شرعاً ومما يجوز تملكه

* أن يكون طاهراً خالياً من المحاذير الشرعية 0

أنـــواع البيـــوع فـــي الإســـلام

انتشر في الآونة الأخيرة مع قيام المصارف الإسلامية استخدام العديد من العقود المالية وفي انتشارها إحياء للمعاملات الشرعية التي هجرت بفعل الغزو الغربي لبلداننا الإسلامية والعقود المالية بصفة عامة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:

  1. عقود المعاوضات 
  2. عقود المشاركات 
  3. عقود الهبات والتبرعات

وتنقسم عقود المعاوضات إلى قسمين: 

عقود مالية – وعقود غير مالية كمبادلة منفعة بمنفعة

والعقود المالية تنقسم إلى قسمين:

عقود البيع حيث تكون المبادلة بين مال ومال أو تكون المبادلة مال بمنفعة.

والبيوع في الإسلام أنواع:

  • بيع السلم – بيع الاستصناع
  • بيع الصرف – البيوع المطلقة

وهذه الأخيرة تتفرع إلى أنواع:   

  • بيع المساومة – بيع الخيار
  • بيع المزايدة – بيوع الأمانة

وبيوع الأمانة من أشهر البيوع المستخدمة في المصارف الإسلامية وهي أنواع ثلاثة:

  • بيع الوضيعة
  • بيع التوليه – بيع المرابحة 

بيــع السلــم معنــاه ومشروعيتــه

تعريف السلم: 

السلم في اللغة: بمعنى الإعطاء والتسليف والترك جاء في لسان العرب

” السلم بالتحريك السلف واسلم في الشئ وسلم وأسلف بمعنى واحد واسلم إليه الشئ دفعه”

وقال المطرزي:

” واسلم في البر أي أسلف من السلم وأصله اسلم الثمن فيه فحذف”

وهو مصدر لاسلم يقال اسلم في الطعام اسلف فيه وسمى سلماً لتسليم رأس المال في المجلس”

السلم في الاصطلاح: 

أطلق الفقهاء اسم السلم على عقد يجري بين طرفين أحدهما بدفع الثمن عاجلاً والآخر تسليم سلعه آجلاً.

فهو بيع لسلعة موصوفة في الذمة مقابل ثمن يدفع في مجلس العقد.

ولقد اختلفت عبارات الفقهاء في تحديد المعنى المراد من السلم فلكل مذهب رأي.

وفيما يلي نستعرض بعضاً من آراء الفقهاء:

الشافعية: جاء في المحلى ” بيع شئ موصوف في الذمة”

المالكية: جاء في الشرح الصغير ” بيع موصوف مؤجل في الذمة بغير جنسه”

الحنفية: جاء في حاشية رد المحتار على الدر المختار في ترتيب الشرائع لابن عابدين” بيع الدين بالعين”

الحنابله: جاء في كشاف القناع للبهوتي

” عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد” 

الجعفرية: جاء في الحدائق الناظرة للشيخ يوسف العصفور

“نوع من أنواع البيع هو مبادلة بمال”

والملاحظ في هذه التعريفات أن كل مذهب نظر إلى الموضوع بشكل معين فمنهم من نظر إليه من زاوية الثمن ومنهم من نظر إليه من كونها سلعة مؤجلة ومنهم من نظر إليه أنه دين موصوف في الذمة.. وهكذا. 

أركـــــان بيـــــع السلــــم

لما كان السلم نوع من البيوع فيجب أن تنطبق عليه شروط البيع بصفة عامه إلا أن المبيع فيه مؤجلاً.

الصيغة: 

بما أنه أحد أنواع البيوع فقد ذهب بعض الفقهاء على أنه ينعقد به البيع من ألفاظ وغيرها إلا أنه تميز بتعجيل الثمن وتأخير السلعة ورأى بعضهم أنه في الأصل عدم الجواز كون أن الإنسان يبيع ما ليس عنده وإنما الشارع رخص فيه وبلفظ السلم أو السلف فاشترطوا اللفظ المذكور لإنعقاده ورأو الاقتصار عليه

العاقدان:  

وهما طرفي العقد:

المشتري: ويسمى المسلم إليه

ويشترط فيهما ما يشترط في المتبايعين من شروط الأهلية بصفة عامة.

المعقود عليه:  

المبيع: المسلم فيه ويجب أن تضبط فيه الأمور التالية: 

القـدر: بحيث يكون معلوم القدر فلا يكون مجهولاً بل يجب ضبط وزنه إذا كان المبيع عرفاً وعادة  يكون مما يكال وغيرها. 

الصفـة:

لما كان المبيع مؤجلاً موصوفاً في الذمة فيجب ضبط صفته بشكل لا يفضي إلى النزاع المستقبلي فتحدد أوصافه وصفاً نافياً للجهالة.

جاء في الحدائق الناظرة للشيخ يوسف العصفور: 

” وقالوا:  لو اشترط الفرد الأجود لم يصح لتعذره، إذ ما من جيد الا ويمكن أن يكون غيره أجود منه.. وقال جماعة منهم: وكذا لايصح اشتراط الأردي، لعين السبب”.

((وبديهي أن أقوال الفقهاء في مثل هذه البحوث والمسائل ليست بحجة، لأنها ليست من اختصاصهم في شئ، مادامت في تشخيص الموضوعات الخارجية، لا في معرفة الأحكام الشرعية.. أن وظيفة الفقيه أن يبين الحكم الشرعي الكلي، مثل الغرر مبطل للبيع، أما بيان موضوعات الأحكام، وأن هذا غرر، او ليس بغرر فليس من شأنه، ولا أدل على ذلك من قول الفقهاء:  هذا يصح، لا مكان ضبطه بالوصف، وذلك لا يصح، لعدم إمكان الضبط، فالمعول –أذن- على إمكان الضبط، وليس من شك أن المرجع فيه هو العرف، قال صاحب الجواهر في مجلد التاجر، مبحث السلم:

“لقد أكثر الفقهاء من الأمثلة للجائز والممتنع في السلم، كما أكثروا في بيان الأوصاف للموصوفات، مع انه أطلق في النصوص انه لا بأس بالسلم في المبتاع أذا وصف الطول والعرض، ولابأس به في الحيوان إذا وصفت الأسنان اتكالاً على العرف، فكان الأولى بالفقهاء أن يتركوا ذلك إلى العرف –وقال- أن العامي ربما يكون اعرف من الفقيه في ذلك”.

ومهما يكن، فالمهم أن نعرف أن كل مايمكن ضبطه بأوصافه المطلوبة يصح فيه السلم، وما عدا ذلك يبطل، لان ما لا يضبطه الوصف غرر، وكل غرر باطل، أما تمييز الفرد الذي يضبطه الوصف عن غيره من الأفراد التي لا تضبط بالوصف فالمرجع فيه العرف0)) كما قال صاحب الجواهر.

الأجل: بما أن المبيع مؤجلاً فيجب تحديد وقت تسليم المبيع بشكل قاطع لا ينجم عنه اختلاف وفصل الفقهاء في أقل الأجل وللشافعية رأي انفردوا به حيث أجازوا السلم الحال ويجب أن لا يكون الأجل مدعاة لربا خفي كأن يكون وقتاً قصيراً جداً أو مدعاة لأكل الناس بالباطل كأن يكون وقتاً طويلاً جداً.

القدرة على التسليم:

ولتحقيق هذا اشترط الفقهاء عموم وجوده عند المحل أما الأحناف فيرون ضرورة وجوده من وقت إبرام العقد إلى وقت حلوله وذلك تفادياً للشك والتعاقد سلما فيما لا يوجد عند حلول الأجل باطل إلا أن هناك من السلع ما هو مضمون الوجود معروف الكمية والوصف وذلك بحكم التقدم العلمي كالنفط في باطن الأرض مثلاُ وبعض المعادن الأخرى وكذلك الزروع في هذا العصر حيث تقدم التقنية الزراعية والقدرة على حماية الزرع من الآفات والكوارث الطبيعية.

تجنب مايجري فيه الربا: 

الأصل في المعاملات تفادى كل ما يجري فيه الربا وعليه فلا يجوز في إجراء معامله سلم النقدين (الذهب والفضة) لأنه يفضي إلى الربا النسئ ولا فيما يفضى إلى ربا الفضل مثل أسلام تمر بتمر أو بر ببر لأنه يشترط في ذلك التماثل وهذا ما لا ينطبق في السلم.

رأس مال السلم: 

آراء الفقهاء متفقه على تعجيل رأس مال السلم فأوجبوا عدم الافتراق قبل قبض الثمن أي قبضه في مجلس العقد.   ولفقهاء المالكية رأي في هذا حيث أجازوا التأخير إلى ثلاثة أيام.   كما أن هناك آراء بدفعه منجماً وتسلم السلعة على مقدار الثمن على دفعات.

مكان الإيفاء: 

للفقهاء آراء في هذا الصدد فمنهم من أعتبر تعيين المكان شرطاً ومنهم من رأى تحديد المكان إذا كانت السلعة تحتاج إلى حمل ومؤنه وهذا رأي أبو حنيفة.

مشروعــية السلـــم

لقد تثبت مشروعية السلم بالكتاب والسنة والإجماع.

ففي الكتاب:  قوله سبحانه

” يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ”  البقرة 282

ومن هذه الآية يستدل على الدين بصفة عامة جاء في الدارية في تخريج أحاديث الهداية لابن حجز العسقلاني

” قال ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ هذه الآية.

وأورد الدكتور نزيه حماد في بحثه ( فقه السلم وتطبيقاته المعاصرة ) قول القاضي أبن العربي:

” الدين هو عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقداً والآخر في الذمة نسيئة فإن العين عند العرب ما كان حاضراً والدين ما كان غائباً “.

كما أورد الإمام عبد الرزاق الصنفاني في مصنفه:

” أخبرنا معمر عن قتاده عن أبي حسان عن ابن عباس قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله وأذن فيه وقرا يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم.. الآية .

وفي السنة :

جاء في صحيح مسلم والبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :  قدم الرسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة والناس يسلفون في التمر العام والعامين أو قال عامين أو ثلاثة (  شك إسماعيل ) فقال صلوات الله وسلامه عليه.

” من أسلف في شيئ ففي كيل معلوم ووزن معلوم إلى آجل معلوم “

وفي الإجماع:

حكي ابن المنذر في الإجماع وقال

” أجمعوا أن السلم الجائز :  أن يسلم الرجل صاحبه في شيئ معلوم موصوف بكيل أو وزن معلوم إلى أجل معلوم “.

ونقل ابن قدامه عن أبن المنذر قوله: ” أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السلم جائز ( كما جاء في المغنى ) ومن الذين لم يجوزوه ابن المسيب حيث تمسك بحديث النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان ( كما ورد في البحر الزخار وكذلك نيل الأوطار ).

وقال الإمام الصادق عليه السلام قال على أمير المؤمنين كرم الله وجهه ورضى عنه وارضاه: ” لا بأس بالسلم كيلاً معلوماً إلى اجل معلوم ولا تسلم إلى دياس، وإلى حصاد أي إدراك الغلة، لأن وقتها يتقدم أو يتأخر”.

بيع السلم حكمته

في الوقت الذي تظهر فيه حاجة دولنا الإسلامية الماسة إلى تمويل مشاريع البنية  التحتية مما يجعلها تخضع لشروط مذله من صندوق النقد الدولي والبنوك الربوية في العالم فتقع تحت الهيمنة الغربية، والأدهى من ذلك أنه في الوقت الذي تتعطش فيه مشاريعنا الوطنية إلى السيولة نجد أن أموال كثير من الميسورين تودع في البنوك العالمية مقابل مردود زهيد.

وكذلك الحال لدى البنوك الإسلامية التي لديها الفائض النقدي فإننا نراها تستثمر ذلك الفائض في صناديق تحت مسميات مختلفة في الغرب أو في السلع الدولية.

وكل هذه الاستثمارات لا تخدم الأمة الإسلامية وتعرض أموال المستثمرين للضياع في كثير من الحالات إذ ثبت بالإحصاء أن حوالي 60% من صناديق الاستثمار في الخارج مخسرة.

وفي بيع السلم ما يحقق حاجة المستثمر والدولة معاً.

فالمستثمر المنتج الذي يريد أن يخطط لأعماله بحصوله على التمويل يمكن أن يلجأ إلى بيع السلم ليقبض قيمة السلعة نقداً ويقوم بالإنفاق على العمال والمنتجين ووسائل الإنتاج حتى فترة الحصاد أو استخراج النفط أ والمعدن من باطن الأرض مثلاً.

أما المشتري فإنه نظير دفعه للثمن معجلاً يستحصل على بضاعة أرخص قيمة وهذا يخلق لديه مجالاً جيداً لترتيب أعماله من الناحية السوقية ويأخذ بالمبادرة التنافسية.

والدولة ببيعها منتجاتها سلماً يمكنها أن تعجل بمشاريعها وتخطط بشكل سليم لبناء البنية التحتية.

وفي جميع هذه الحالات أمان للأموال المستثمرة وتحريك للقطاعات المنتجة والمهم في هذا الأمر هو تخلص شعوبنا المسلمة من هيمنة الغير المالية عليها تلك الهيمنة التي أدت بالنتيجة إلى الهيمنة السياسية وأضعاف شعوبنا المسلمة اقتصادياً بحيث أصبحت بعض دولنا عاجزة حتى دفع خدمة الدين ناهيك عن أصله وذلك لما مرت به من صور الابتزاز الربوي.

إن العمل على ابتكار أدوات سلم تخلص المسلمين من ربقه الربا أمر تمليه الضرورة وترخيص السلم فيه عبرة وفائدة كبيرة ورفق بالناس نستشعرها في عصرنا الحاضر وقد وهبنا الله الثروات الطبيعية ولكن نعجز عن استغلالها والاستفادة منها.

يقول ابن القيم الجو زيه في أعلام الموقعين ” إذ الحاجة التي لأجلها شرع الله ورسوله السلم الارتفاق من الجانبين، هذا يرتفق بتعجيل الثمن وهذا يرتفق برخص الثمن وهذا قد يكون في منقطع الجنس كما يكون في متصلة، فالذي جاءت به الشريعة أكمل شيئ وأقومه بمصالح العباد “.

وجاء في ( نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج )

ما يظهر حكمة مشروعية السلم

” لأن فيه رفقا، فإن أرباب الضياع قد يحتاجون لما ينفقونه على مصالحها فيستلفون على الغلة، وأرباب النقود ينتفعون بالرخص فجوز ذلك ” .

وقال ابن قدامه في المغنى :

” إن الناس محتاجون للسلم لأن أرباب الزروع والثمار والتجارات بحاجة إلى النفقة على أنفسهم وعليها لتكمل، وقد تعوزهم النفقة فجوز لهم السلم ليرتفقوا ويرتفق المسلم بالاسترخاص.”

وبيع السلم في عصرنا الحاضر بديل عملي للاقتراض الربوي فالمنتجون يحتاجون إلى النقد للتصنيع والإنتاج وذلك قبل فترة استكمال السلعة وتحضيرها للبيع ولا سبيل لهم في عصرنا هذا إلا الاقتراض من البنوك الربوية وذلك لدفع رواتب العمال وشراء المعدات والإنفاق المكتبي والأسرى ثم الانتظار لحين اكتمال الإنتاج حيث يباع المنتج ويسدد للبنك أصل القرض مع الفوائد.   وقد يصل الأمر إلى إفلاسه إذا تمادى في الاقتراض غير المدروس وإذا ارتفع سعر الفائدة حيث أن القرض الربوي تخضع فوائده للمراجعة من قبل المقرض بشكل دوري.

والسلم وسيله تمويليه بها رفق أكبر وتوزيع للمخاطر على شريحة كبيرة من المستثمرين فالدفع المقدم يمكن المنتج من تمويل إنتاج السلعة وفي حالة عدم التمكن من تسليم المسلم فيه فإن أصل الثمن المدفوع من قبل البنك يبقى دون زيادة ويكون قد فات على البنك ربحه فقط أما أصل المبلغ فمضمون بالرهن.

وهنا تظهر أهمية الرهن والأخذ برأي الجمهور في إجازته وذلك لقوله سبحانه

” يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه”

وقوله

” وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة “

وبما أن رأسمال السلم مضمون بالرهن فهذا ادعى للاطمئنان للبنك على أمواله أما مقابل خسارته للربح فقد يتمكن من تعويض ذلك في تفاوتات الربح التي تقع عند البيع في الأسواق الاستهلاكية وهي عادة أعلى من أماكن الإنتاج.

ثم أن بيع السلم يعمل عكس اتجاه الربا فالربا إضافة مالية تحمل على الإنتاج بينما السلم حسم من بيع مستقبلي تتحكم فيه احتساب أدوات العرض والطلب وهذا الأسلوب يحد من التضخم وادعى لاستقرار الأسعار في السوق.

جواز التصرف في المسلم فيه قبل قبضة

أختلف الفقهاء في جواز التصرف في المسلم فيه قبل قبضة واعتمد من لا يجوز ذلك على قوله صلى الله عليه وسلم.

” من أسلم في شيئ فلا يصرفه إلى غيره ” .

وفسروا مقصود ذلك عدم بيع رب السلم المسلم فيه قبل القبض بأي صفة كانت إذ اعتبروه ديناً غير مستقر وهو رأي الحنفية والشافعية والحنابلة.

وتجدر الإشارة أن عدم استقرار الدين في الذمة فيه قول خاصة في عصرنا الحاضر إذ بحكم تقدم التقنية الحديثة يمكن التيقن من وجود السلعة عند حلول الأجل فمثلاً لو بيع النفط سلماً فهل يرقي الشك إلى عدم وجوده عند الاستحقاق ونحن نعلم مواصفاته وكمياته المخزنة تحت الأرض ومدى استهلاكها الزمني ….. وغيرها من المعلومات العلمية الدقيقة المتوفرة.

أما المالكية فلهم رأي فيه سعة ودلائل العصر ترجح رأيهم من حيث الموضوعية.  جاء في الموطأ ما نصه:

” قال مالك ومن سلف في سلعه إلى أجل وتلك السعلة مما لا يؤكل ولا يشرب فإن المشترى يبيعها ممن شاء ينقد أو عرض قبل أن يستوفيها من قبل صاحبها الذي اشتراها منه ولا ينبغى له أن يبيعها من الذي ابتاعها منه ألا بعرض بقبضة ولا يؤخره ”  انتهى

وجاء في المدونة الكبرى للإمام مالك رضي الله عنه في هذا الموضوع ما نصه:

” قلت أرأيت إن أسلمت في طعام معلوم إلى أجل معلوم أو يجوز لي أن أبيع ذلك الطعام من الذي اشتريته منه أو من غيره قبل أن أقبضه في قول مالك ( قال ) لا يجوز ذلك في قول مالك ( قلت ) لم  ( قال ) لأنك أسلفت في طعام بكيل فلا يجوز لك أن تبيعه حتى تكتاله إلا أن يوليه أو يشرك فيه أو يقيل منه ( قلت ) وكذلك كل ما يكال أو يوزن من الأطعمة وإلا شربه إذا أسلفت فيها لم يصلح لي أن أبيعها حتى اكتالها أو أزنها واقبضها في قول مالك ( قال ) نعم إلا الماء وحده ( قلت ) وما سوى الطعام والشراب مما سلفت فيه كيلا أو وزناً فلا بأس أن أبيعه قبل أن اقبضه من الذي باعني أو من غيره ( قال ) قال مالك لا بأس أن تبيع ما سلفت فيه إذا كان من غير ما يؤكل ويشرب من غير الذي عليه السلف فلا تبيعه منه قبل الأجل بأكثر ولا تبيعه منه إلا بمثل الثمن أو بأقل وبقبض ذلك ”  انتهى.

وذهب لمثل هذا الرأي شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم الجوزيه  جاء في الاختيارات الفقهية من فتاوي ابن تيمية ( للبعلى )

” ويجوز بيع الدين في الذمة من الغريم وغيره ولا فرق بين دين السلم وغيره وهو رواية عن أحمد 0

” وقال ابن القيم في ” إعلام الموقعين “

” والدين في الذمة يقوم مقام العين ولهذا تصح المعاوضه عليه من الغريم وغيره ”  انتهى

” ويجوز بيع الدين في الذمه من الغريم وغيره ولا فرق بين دين السلم وغيره وهو رواية عن أحمد 0

” وقال ابن القيم في ” إعلام الموقعين “

” والدين في الذمة يقوم مقام العين ولهذا تصح المعاوضه عليه من الغريم وغيره ”  انتهى

إذن هذا رأي عملي يمكن تطبيقه في عصرنا الحاضر وفيه رفع لبلوى الربا عن كثير من الدول والمؤسسات ثم أن في الاخذ بهذا الرأي تحقيق للمصلحة جاء في القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيميه.   ” الشريعة جميعها مبنيه على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة ابيح المحرم “.   وحاجة الدول في عصرنا الحاضر لإصدار سندات الخزانة بالأسلوب المقبول شرعاً حاجة ماسة.

والأخذ برأي المالكية وشيخ الإسلام وتلميذه يفتح نصراً جديداً للشريعة الإسلامية في مجال الاقتصاد ويظهر عدم عجزها في تلبية حاجة الأمة.

صور تطبيقية لإصدار الصكوك الإسلامية

نتيجة لما طرح من أبحاث ومداولات مع البنوك المركزية فلقد لجأت بعض الحكومات الإسلامية إصدار ( صكوك إسلامية ) كبديل شرعي للسندات.

وجاءت مثل هذه الخطوة بعد مداولات وورش عمل أخذ فيها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي دور الريادة الذي يشكر عليه في هذا المجال.  ولقد استندت هذه الصكوك على بيع السلم والاستصناع و على الإيجارة والمضاربة.

ولقد سبق الحديث عن بيع السلم وستتحدث بإيجاز فيما يلي عن الاستصناع و الإيجارة والمضاربة.

الاستصناع:

الاستصناع لغة مصدر ثلاثي مزيد بثلاثة أحرف من استصنع أي طلب صنعه ويقال اصطنع فلان قلماً أي طلب أن يصنع له قلماً ويطلق هذا اللفظ في البيوع فيقال بيع الاستصناع. 

وهو عقد على بيع شيء موصوف في الذمة وصفاً نافياً للجهالة محدد الثمن والزمن ومكان التسليم.

وانعقد عقد الاستصناع عند الحنفية والحنابلة على غير وجه السلم أما الشافعية والمالكية فألحقوه ببيع السلم.

ولقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ما يلي:

قرار رقم 65 ( 3/7 ) بشأن عقد الاستصناع

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع يجده في المملكة العربية السعودية من 7-12 دي القعده 1413هـ الموافق 9-14 أيار ( مايو) 1992 م.

بعد إطلاعه على البحوث الوارده إلى المجمع بخصوص موضوع عقد الاستصناع.

وبعد استماعه للمناقشات التي دارت حوله ومراعاة لمقاصد الشرعية في مصالح العباد والقواعد الفقهية في العقود والتصرفات ونظراً لأن عقد الاستصناع  له دور كبير في تنشيط الصناعة وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الإسلامي.

قرر ما يلي:

بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص عقد الاستصناع 

بعد استماعه للمناقشات التي دارت حوله ومراعاة لمقاصد الشرعية في مصالح العباد والقواعد الفقهية في العقود والتصرفات ونظرا لأن عقد الاستصناع له دور كبير في تنشيط الصناعة وفي فتح مجالات واسعة للتمويل والنهوض بالاقتصاد الاسلامي0

أولاً:  أن عقد الاستصناع وهو عقد وارد على العمل  في الذمة ملزم للطرفين إذا توافرت  

       فيه الأركان والشروط.

ثانياً:  يشترط في عقد الاستصناع ما يلي:

  1. بيان جنس المستصنع وقدره وأوصافه المطلوبة 
  2. أن يحدد فيه الأجل

ثالثاً:  يجوز في عقد الاستصناع تأجيل الثمن كله أو تقسيطه على أقساط معلومة لآجال محدده.

رابعاً:  يجوز أن يتضمن عقد الاستصناع شرطاً جزائياً بمقتضى ما اتفق عليه  ما لم تكن هناك ظروف قاهرة.         والله أعلم.

الإجارة:

الإجارة في اللغة اسم للأجرة وورد في حاشية أبن عابدين (بأنها عقد معاوضه على تمليك منفعه بعوض) ويجب هنا التفريق بين بيع العين وبيع المنفعة وبين الجهالة.   

وأركان الإيجاره عند الجمهور الصيغة (الإيجاب والقبول) والعاقدان والمعقود عليه (المنفعة والاجره)

ومن العقود التي انتشرت لدى المصارف الإسلامية الإيجاره المنهية بالتمليك ولها صور متعددة لا مجال لذكرها.

المضاربة (القراض):

أن يدفع شخص لآخر مالاً يتجر فيه بشروط محدده على أن يقسم الربح بينهما حسب الاتفاق.

ولقد بعث رسول الله صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم والناس يجرون بينهم هذا العقد فلم ينكره عليهم وكان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه يشترط شرطً في عقد المضاربة ( أن لايسلك المضارب بالمال بحراً، ولا ينزل به وادياً، ولا يشترى به ذات كبد رطبه فإن فعل فهو ضامن)

ولقد رفع هذا الشرط إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فأجازه.

والمضاربه أنواع : خاصه وعامه ومقيدة ومطلقه.   

وأما أركانها فهي:

عاقدان، ورأس مال، وعمل، وربح وصيغة

أنواع الصكوك:

بعد استعراضنا لما يكون أصلاً لإصدار الصكوك نذكر فيما يلي بعض أنواع الصكوك التي يمكن إصدارها.

صكوك السلم:

لكل دولة ثروات طبيعيه ويمكن الإستفاده من بيع السلم والذي جاء تفصيله في هذا البحث لإصدار صكوك السلم وذلك ببيع بعض من هذه الثروات الطبيعية على فترات وأزمان متفاوتة بثمن عاجل وتسليم آجل مع مراعاة شروط بيع السلم الوارد ذكرها.   وإذا أخذ بالرأي القائل بجواز بيع السلم قبل قبضه أمكننا طرح هذه الصكوك في السوق الثانوية.

ولقد قامت مؤسسة نقد البحرين بإصدار صكوك السلم فباعت الألمنيوم بتسليم آجل مع قبض الثمن عاجلاً وورد في مقدمة بيان الإصدار الصادر بتاريخ 5/6/2001 تحت عنوان طبيعة الصكوك وأساسها الشرعي مايلي:

صكوك السلم الإسلامية الحكومية، هي أداة تمثل أصولاً (ألمنيوم خام) موصوفة في الذمة مؤجلة التسليم، تصدرها حكومة مملكة البحرين بغرض إيجاد مجالات جديدة لاستثمار فائض الموارد المالية في المجتمع ولتمويل الإنفاق و الاحتياجات قصيرة الأجل لمشروعات التنمية المختلفة. وتقوم حكومة مملكة البحرين بموجب هذا الإصدار ببيع سلع سيتم تسليمها في المستقبل، إلى المستثمرين في هذا الإصدار باعتباره وعاء استثمارياً مشتركاً بينهم بنسبة ما أكتتب به كل منهم.   ويتم الشراء بثمن عاجل  هو قيمة إصدار الصكوك، كما يتم الاحتفاظ بالصكوك إلى موعد التسليم، وتمكين المستثمر من قبض قيمة السلع المستحقة له، الناتج عن بيعها إلى طرف مستقل غير مملوك للبائع لاكلياً ولا جزئياً بثمن يزيد عن ثمن الشراء بالسلم وقيام مؤسسة نقد البحرين بتنظيم الاكتتاب وما يترتب عليه من إجراءات وتصرفات.    

وجاء في الإصدار أيضا أن هذه البضاعة موضوع صفقة السلم سيتم بيعها إلى طرف ثالث غير مملوك للحكومة لا جزئياً ولا كلياً وحصلت الجهة المصدره للصكوك على وعد من طرف ثالث لشراء صفقه السلم بهامش ربح محدد وهذا الوعد أعطى العملية ضماناً من جهة مليئة 0

صكوك الإجارة: 

لكل دوله أصول تتمثل في منشآتها الحكومية وبعضاً من مرافقها ويمكن للدولة أن تطرح هذه الأصول للبيع للمؤسسات والأفراد وتقوم الدولة باستئجار تلك الأصول بأسلوب الإجارة المنتهية بالتمليك.

ولقد أصدرت مؤسسة نقد البحرين مثل تلك الصكوك ولقد جاء في ضوابط شروط الإصدار مايلي: 

(صكوك التأجير الإسلامية هي أداة ماليه تمثل أصولاً في أصول حكوميه (المخازن المركزيه) تصدرها مؤسسة نقد البحرين نيابة عن حكومة مملكة البحرين لغرض إيجاد مجالات جديدة لاستثمار فائض الموارد المالية في المجتمع ولتمويل الإنفاق.الرأسمالي لمشروعات التنمية المختلفة وتقوم حكومة مملكة البحرين بموجب هذا الإصدار بطرح تلك الأصول على المستثمرين لشرائهم لها من الحكومة ثم تأجيرهم إياها للحكومة بقسط تأجيري بموجب عقد إجارة منتهية بالتمليك بحيث تعد حكومة مملكة البحرين بإعادة شراء تلك الأصول في نهاية مدة الإصدار بثمن يمثل القيمة الأصلية التي اشتريت بها من الحكومة.   ثم جاءت الفقرة الثالثة من ضوابط وشروط الإصدار لتتناول موضوع العائد على الصكوك ويمثل عائد تأجير الأصول الممثلة لتلك الصكوك.

صكوك الطاقة

هذه التسمية أطلقتها على صكوك يمكن أن تصدرها الجهات المنتجة للطاقة (كالكهرباء مثلاً) حيث تقوم مجموعة من المؤسسات المالية بشراء كمية من الطاقة الكهربائية من الجهة المنتجة لها بثمن محدد لزمن محدد.

وتكلفها أو تكلف جهة أخرى ببيع تلك الكمية على جمهور المستهلكين.

وتورد المبالغ المحصلة إلى حساب تلك المؤسسات وهي تشكل أصل القيمة مع هامش الربح ويمكن لتلك المؤسسات توزيع قيمة الكمية إلى صكوك ذات فئات ماليه تباع على الجمهور.

وأنسب عقد لمثل هذه العملية هو عقد الاستصناع الذي سبق الحديث عنه.

صكوك المضاربة

هي الصكوك ذات عائد مالي غير محدد ولكنه متوقع وذلك بقراءة نشاط الشركة المصدرة لها من خلال  ميزانياتها المعروضة عبر السنوات الماضية وكذلك مؤشرات السوق. 

وتحدد ضوابط وشروط الإصدار أغراض الصكوك وسبل استخدام المال ونسبة المضارب في الربح وهي حصة الشركة المصدرة للصكوك.  

وتضمن الشركة رأس المال في حال مخالفتها لشروط وضوابط الإصدار أو الخطأ في الإدارة أو الغش أو سوء الاستثمار المؤدي إلى انحراف كبير عن الربح المتوقع المبني على نتائج الشركة المالية السابقة لذات النوع من الاستثمار أو المردود الذي استقر عليه السوق لنوع الاستثمار مالم يقع طارئ يقره المحللون والمستشارون مبرراً لمثل ذلك الانحراف. 

وتكون تلك الصكوك لفترات زمنية (خمس سنوات مثلاُ) أو أكثر ويمكن توزيع الأرباح السنوية مزامنه مع تقرير الشركة السنوي.

تعد الشركة المصدره للصكوك ميزانية خاصة سنوية لأموال الصكوك تنشر في الصحف ليطلع عليها جميع المكتتبين في تلك الصكوك.

كما تخضع محفظة الصكوك لرقابه شرعية وفنية ولا تستثنى إشراف الجهة الرقابية الرسمية في البلد.

الخاتمة

لقد أثبتت التجارب العملية بأن النظام المصرفي الإسلامي ناجح في التطبيق ولا أدل على ممارسة بعض من المؤسسات المالية العالمية العمل المصرفي الإسلامي.

ولا شك أن بدايات العمل بالصكوك الإسلامية التي تصدرها عدد من الحكومات الإسلامية هي الأخرى بادرة لا يشك أحد في نجاحها ونرى أن في مثل إصدار هذه الصكوك يجب أن تحل محل السندات التقليدية ومن أهم مميزات هذه الصكوك أنها تعبر عن موجودات قائمة مملوكة للحكومة وبالتالي لا تستطيع الحكومات تجاوز الحد في الاقتراض على نقيض السندات التقليدية التي ظهر جلياً تمادي الحكومات في إصدارها.

كما أن سندات المضاربة التي يمكن أن تصدرها الشركات الخاصة هي الأخرى وسيلة من وسائل الاستثمار للأفراد ويكاد يكون رأسمال مساند للشركات.

وتجدر الإشارة على أن الوقت قد حان لوضع برنامج علمي يقصد من ورائه التبصير بالاقتصاد الإسلامي كسياسة اقتصادية عامه تطبقها الحكومات وتنشر مفاهيمها على العالم.