نبذة تاريخية عن الـتأمين
التأمين علم قائم بذاته انتشر استخدامه انتشارا واسعا بحيث دخل حياة كل فرد واهتمت التشريعات في جميع أنحاء العالم بموضوع التأمين وسنت له قوانين وأنظمة خاصة وأصبح يدرس في الجامعات والمعاهد والمتتبع لتاريخ ظهور التأمين يصعب عليه الوقوف بدقة على زمان ومكان بدء نشوئه ، ولكن ما يمكن أن يقال في هذا المجال هو أن التأمين نوع من التعاون في الأصل والإنسان مدفوع إلى التعاون بحكم معايشته مع الآخرين .وكلما زاد المجتمع الإنساني حضارة وتقدما زاد حجم التعاون بين أفراده ، لذا نجد بأن التأمين كان معروفا لدى الأمم القديمة الراقية فقد عرف قدامى المصريين وبلاد الهند والإغريق هذا النوع من التعاون التأميني .
وفي القرن الرابع عشر بدأت ممارسة عملية التأمين البحري في أوروبا بشكل أكثر تنظيميا . وأول تشريع صدر في مجال التأمين هي تلك التشريعات التي أصدرها الأسبان والبرتغاليين حول عقد التأمين البحري وذلك في القرن الخامس عشر الميلادي وأشهر تلك التشريعات هي قوانين برشلونة الأربعة التي أصدرت في السنوات 1436 ، 1458، 1461، 1484ميلادية .
وتبعت تلك التشريعات تشريعات أخرى استهدفت تنظيم عملية التامين ويمكن اعتبار القانون الانجليزية هو أول قانون اهتم بالتأمين بشكل قانوني منظم وأصدرت أسسه التشريعية ، وذلك في عام 1601ميلادية .وحتى ذلك العام كانت جميع تلك القوانين تتعلق بالتأمين البحري الذي هو أقدم أنواع التأمين يليه في القدم التأمين على الحياة حيث ظهر أول عقد تأمين على الحياة سنة 1853ميلادية في انجلترا ثم بدأ في الظهور أنواع التأمين الأخرى كالحريق والحوادث العامة وغيرها.
أطراف عقد الـتأمين
ينشأ عقد التأمين بين المؤمن ( بكسر الميم ) وهي شركة أو هيئة والمؤمن له وهو فرد أو شركة أو جماعة ويتفق الطرفان على إنشاء عقد بينهما تلتزم فيه الهيئة أو الشركة بدفع مبلغ معين عند وقوع الخطر المنصوص عليه في العقد إلى المؤمن له خلال فترة العقد . ومقابل ذلك الالتزام بدفع المؤمن له قسط التأمين الذي يحدده المؤمن . ويمكن في بعض عقود التأمين تسمية شخص ثالث كمستفيد يدفع له التعويض عند تحقق الخطر المؤمن منه ، وهذا واضح في عقد التأمين على الحياة ووثائق التأمين من الحريق في حالة كون العقار مرهونا لدى بنك اقترض منه المؤمن له .
عناصر عقد الـتأمين
يتضمن عقد التأمين عناصر نتناولها بإيجاز فيما يلي : –
1 – موضوع التأمين : هو ذلك الشيء الذي يرغب المؤمن له تعويضه عنه عند وقوع الخطر المؤمن منه مثل أن يؤمن الشخص عمارته أو سكنه ضد الحريق فإذا احترقت تلك العمارة أو المسكن دفعت شركة التأمين للمؤمن له قيمة تلك العمارة أو المسكن ويكون المبلغ المذكور في الوثيقة (( مبلغ التأمين )) هو أقصى ما يدفع للمؤمن له عند وقوع الخطر .
وموضوع التأمين يمكن أن يكون عمارة في التأمين ضد الحريق كما ذكرنا أو بضاعة كما هو في التأمين البحري أو قد تكون المسؤولية المدنية التي قد تقع للمؤمن له كما هو في التأمين ضد المسؤولية المدنية وفي التأمين على الحياة تكون حياة المؤمن له هي موضوع التأمين .
2- الخطر المؤمن منه : المخاطر والخسائر والمسؤوليات التي يتعرض لها الإنسان في الحياة كثيرة ولذا تعددت أنواع التأمين بتعدد تلك المسؤوليات والمخاطر فقد يكون الخطر المؤمن منه الحريق مثلا أو السرقة أو الموت أو المسؤوليات المدنية التي قد يتعرض لها الإنسان من جراء استخدام سيارته وهكذا تتعدد المخاطر والخسائر التي يمكن التأمين عليها أو منها وفي جميع الحالات يجب أن يكون الخطر المؤمن منه محتمل الوقوع وليس متحققا .
3- مبلغ التأمين : هو ذلك القدر من المال الذي يلتزم به المؤمن عند وقوع الخطر المؤمن منه بدفعه للمؤمن له أو المستفيد خلال فترة العقد، وقد يكون ذلك المبلغ محددا كما هو في التأمين على الحياة حيث يدفع المؤمن للمستفيد عند وفاة المؤمن له مبلغا معينا من المال مذكورا في عقد التأمين .
وقد تحدد الوثيقة الحد الأقصى التي تلتزم الشركة بدفعه عند وقوع الخطر وخير مثال على ذلك المبلغ المحدد في وثيقة الحريق أو السرقة .
ولما كانت حوادث السيارات مثلا تسبب أضرارا جسيمه للآخرين كوفاة عدد من الأشخاص أو إتلاف أموال الآخرين فإنه يصعب تحديد مقدار مبلغ التعويض لذا يترك المبلغ مفتوحا خضوعا للقانون .
4- مدة التأمين : تختلف مدة التأمين باختلاف أنواع الوثائق فقد تكون سنة كما هو في الحريق والحوادث العامة وقد تكون مدة التامين هي المدة التي تستغرقها رحلة السفينة من بلد كما هو في التأمين البحري أو قد يمتد إلى سنوات كما هو في التأمين على الحياة .
5- قسط التأمين : يختلف قسط التأمين باختلاف نوع الوثيقة فقد يكون قسطا واحدا يدفع عند إبرام العقد كما هو في التأمين البحري والحريق والحوادث العامة وقد يكون أقساطا شهرية أو نصف سنوية أو سنوية ، كما هو في التأمين على الحياة .
مبادئ عقد التأمين
يخضع عقد التأمين بطبيعته إلى عدد من المبادئ العامة وهي مبادئ متعارف عليها لا ينص عليها عقد التأمين في شروطه ولكن يجب أن يخضع لها العقد في الأساس وهذه المبادئ هي حاكمة للعلاقة بين المؤمن والمؤمن له بحيث لا يخرج الطرفان عما هو متعارف عليه في صناعة التأمين وتحمي العلاقة بين الطرفين عن الخروج إلى ما أنكر في التعاقد عادة كالغش والتدليس وغيره ويمكن تلخيص تلك المبادئ في ستة نقاط كما يلي :
- مبدأ منتهى حسن النية : عند إبرام عقد التأمين يتوجب على الطرفين أن يكونا حسنا النية والمقصد فلا يخفي احد الطرفين نية إلحاق الغدر أو الاستفادة غير المشروعة من وراء إجراء عملية التأمين وإخفاء الحقائق ذات العلاقة بالعقد أو أعطاء بيانات غير صحيحة تضلل شركة التأمين ، ومثال ذلك أن يكون الخطر قد وقع فعلا وعلم به المؤمن له ولكنه يخفي ذلك على المؤمن عند إبرام العقد فينطوي إبرامه العقد على نية استغلال جهل شركة التأمين بوقوع الخطر .
- المصلحة التأمينية : لا يمكن للشخص أن يؤمن على شيء لا تعود ملكيته له ولا تتحقق له خسارة مباشرة عند تلف موضوع التأمين فلا يحق لشخص أن يؤمن عمارة شخص آخر وهو ليس شريكا فيها أو أن يؤمن حياة شخص وفاته لا تشكل له خسارة . لذا يجب أن يكون في عقد موضوع التأمين خسارة للمؤمن له ويجب أن تكون بين المؤمن له وبين موضوع التأمين علاقة مباشرة كتملكه إياه أو علاقة يحددها القانون .
- التعويض : ليس الهدف من التأمين هو الربح بل الهدف في أساسه هو التعويض ومتى ما خرج مفهوم التأمين عن هذا المبدأ فإنه يشكل خطرا اجتماعيا ودافعا للفساد .
فالشخص الذي يمتلك سيارة قيمتها السوقية 10000 دينار يجب أن لا يحصل عند خسارته لتلك السيارة أكثر من قيمتها السوقية لها عند وقوع الحادث 0 ولو افتراضنا أنه أجرى التأمين على السيارة المذكورة بعشرين ألف دينار فإن تعويضه لن يزيد عند تحقق الخسارة عن 10000 دينار وهي القيمة السوقية للسيارة عند وقوع الحادث .
- الحلول : قد يتسبب في إتلاف موضوع التأمين طرف ثالث كان يصدم شخص سيارة المؤمن له والتي تم تأمينها لدى شركة التأمين بعقد التأمين الشامل فتلتزم الشركة بإصلاح سيارة المؤمن له وعندها يحق للشركة أن تعود على الطرف الثالث بما دفعته من خسائر وذلك بعد أن يتنازل المؤمن له لشركة التأمين عن مثل ذلك الحق حيث أن المؤمن له تم تعويضه عن الأضرار .
- المشاركة في التأمين : كما ذكرنا سابقا بأن التأمين مبدأ تعويض لا مبدأ ربح فلو افتراضنا أن مؤمنا له أمن عمارة يمتلكها لدي شركتي تأمين وخسر عمارته بسبب الحريق مثلا فأن الشركتين تشتركان في دفع التعويض نسبة وتناسبا حسب مبلغ التأمين المنصوص عليه في الوثيقتين على أن لا يتعدى قيمة التعويض المدفوع عن قيمة العمارة السوقية عند وقوع الحادث .
- السبب القريب : تنص وثيقة التأمين على المخاطر المؤمن ضدها وحتى يحصل المؤمن حقه في التعويض يجب أن تكون الخسارة ناجمة عن إحدى تلكك المخاطر المؤمن ضدها أو أن تكون سلسلة الحوادث بدأت بإحدى تلك المخاطر ونتجت عنها بشكل متصل .
خصائص عقد التأمين
من خصائص عقدة التأمين ما يلي :
- عقد رضائي : يبرم عقد التأمين برضا الطرفين المؤمن والمؤمن له وذلك بالإيجاب والقبول بين الطرفين واتفاقهما على شروط العقد ومبلغ التأمين والقسط المترتب دفعه والكيفية التي تدفع به وكيفية دفع مبلغ التأمين عند وقوع الخطر و بصفة عامة فإن جميع ما يرد في عقد التأمين تلتقي عليه إرادة الطرفين المعنيين ، ويتم الالتزام به .
وتجدر الإشارة على أن ذلك التراضي يجب أن لا يخالف القانون فتراضي الطرفين عند تأمين المركبات الخاصة لقانون المرور لا يكون ساريا ومقرا إذا خالف قانون التأمين للمركبات بل يجب أن يلتزم الطرفان بما نص عليه ذلك القانون.
- من العقود الملزمة : إذا التقت إرادة طرفي العقد (( المؤمن والمؤمن له )) وتم الإيجاب والقبول وجب على الطرفين الالتزام بشروط العقد والخضوع له فالمؤمن له يلتزم بدفع الأقساط كما يلتزم بالإيفاء بشروط العقد.
والمؤمن يلتزم بدفع التعويض إذا ما وقع الخطر المؤمن ضده لموضوع التامين خلال سريان فترة عقد التأمين .
- من عقود المعاوضة : يتقاضى كل طرف من أطراف عقد التأمين عوضا من الطرف الآخر فالمؤمن له يأخذ الحماية التأمينية التي أن وقع الخطر ترجمت إلى أموال تدفع له طبقا لما نصت عليه شروط الوثيقة والمؤمن يأخذ من الطرف الآخر قسط التأمين .
- من العقود الزمنية : جميع وثائق التأمين تحدد بأجل وقد يكون الأجل مذكور صراحة في العقد فيبدأ بيوم كذا من شهر كذا من سنة كذا وينتهي في وقت لاحق ينص عليه تفصيلا في الوثيقة وهذا ما يجري في عقود تأمين الحريق والحوادث العامة والحياة وقد يكون الزمن محدد بالفترة التي تقطعها الباخرة بين ميناء الشحن إلى ميناء التفريغ كما هو الحال في التأمين البحري .
ونرى مما ذكر بأن عنصر الزمن جوهري وظاهر في جميع عقود التأمين .
5 – عقد احتمالي : عند إبرام عقد التأمين لا يعرف الطرفان كم سيدفع كل منهما للآخر فشركة التأمين لا تعلم بالتحديد مقدار قيمة التعويضات التي ستدفعها للمؤمن له وتلجأ إلى حساب الاحتمال الذي هو الأساس الذي تحسب به الأقساط التي يجب تحصيلها 0 والمؤمن له أيضا لا يعلم كم سيقبض من تعويض وفي بعض الوثائق كالتأمين على الحياة لا يعرف كم قسطا سيدفع .
التأمين على الحياة
الإنسان بطبيعته يخشى الفاقة والفقر ويجتهد في أن يؤمن حياة مستقرة له ولمن يعول لذا فإنه يتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لكي يؤمن نفسه ضد الحوادث العرضية وضد كل ما يمس سلامة وسائل عيشه ومن هنا فكر الإنسان مدى الزمن في أكثر من وسيلة التي تقيه غوائل الدهر ومفاجآت الزمن والأحداث ومن أهم الوسائل التي فكر بها وطورها (( التأمين على الحياة )) .
لقد بدأ هذا النوع من التأمين بشكل تعاوني حيث تتضامن مجموعة من الإفراد مقابل دفع قسط سنوي كان يحدد بشكل تصادفي ، فإذا توفى أحد أفراد المجموعة دفع لورثته من تلك الأقساط المبلغ المتفق عليه فإن لم تف الأقساط بالمبلغ المتفق عليه طلب من أعضاء المجموعة دفع باقي المبلغ .
وبازدياد الحاجة إلى التأمين على الحياة واتساع الطلب عليه تطورت فنيات العمل وبدأ احتساب أقساط التأمين بشكل علمي إستنادا على العلوم الرياضية والإحصائية والاكتوارية .
تعريف التأمين على الحياة
اتفاق بين المؤمن والمؤمن له على أن يضمن المؤمن دفع مبلغ محدد وبالشكل المتفق عليه في الوثيقة إلى المؤمن له أو المستفيد إذا ظل على قيد الحياة بعد انتهاء مدة عقد التأمين أو إلى المستفيد إذا توفي خلال فترة عقد التأمين وذلك مقابل قيام المؤمن له بتسديد الأقساط بالشكل المنصوص عليه في العقد .
أنواع عقود التأمين على الحياة :
هناك أنواع متعددة من عقود التأمين على الحياة سنحاول فيما يلي أن نذكر بإيجاز أهمها وأكثرها شيوعا :
- التأمين المؤقت : هو أقدم أنواع التأمين على الحياة حيث أن أول وثيقة تأمين صدرت كانت في لندن سنة 1583ميلادية .
وبموجب عقد التأمين المؤقت يحصل المستفيد إذا توفى المؤمن له خلال فترة العقد المبلغ المعلن عنه في الوثيقة .
فمثلا يمكن أن يؤمن شخص نفسه لصالح عائلته وهو في سن الثلاثين لمدة ثلاثين سنة .
فإذا وصل إلى سن الستين ولم تحصل الوفاة لا تدفع شركة التأمين للورثة شيئا أما إذا توفى قبل ذلك فإن شركة التأمين تدفع للورثة مبلغ التأمين المعلن عنه في الوثيقة .
وعادة تكون الأقساط التي يدفعها المؤمن له لمثل هذا النوع من العقود هي الأقل بين عقود التأمين على الحياة .
وهذا النوع من العقود يلجأ إليه المقترضون من البنوك والهيئات كضمان للمقرض الذي يكون المستفيد من الوثيقة أو يلجا إليه الشركاء في الشركات التجارية حرصا على عدم تصفية الشركة من قبل ورثة الشريك المتوفى .
- التأمين مدى الحياة : يختلف هذا العقد عن المؤقت لأنه يستمر مدى الحياة فمن يوم التعاقد حتى يوم الوفاة يظل المؤمن له يدفع أقساطا حسب الاتفاق وعند وقوع الوفاة يدفع المؤمن له للمستفيد المبلغ المعلن في الوثيقة . وتدل سجلات التأمين على أن أول وثيقة من هذا النوع صدرت في لندن سنة 1762ميلادية .
- التأمين المختلط : اتضح لنا من عقدي التأمين السابقين أن مبلغ التأمين يدفع بعد الوفاة أما العقد المختلط فإن المبلغ يدفع للمستفيد عند وفاة المؤمن له أو يدفع للمؤمن له أو المستفيد إذا انقضت المدة المنصوص عليها في العقد وذلك طبقا لما يتم الاتفاق عليه شريطه أن يلتزم المؤمن له بدفع الأقساط المترتبة وهنا يتضح لنا بأن هذا العقد بجانب ما يقدم من حماية للمستفيد هو أيضا أسلوب استثماري وادخاري للمؤمن له لذا فإنه أكثر العقود انتشارا.
- العقود الأخرى : تطورت صناعة التأمين على الحياة تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة فتعددت أنواعها وفيما يلي أسماء بعض منها دون الخوض في التفاصيل :
- عقود دخل الأسرة.
- عقود إعاشة الأسرة .
- عقود أفراد الأسرة.
- عقود تأمين لمن هم دون البلوغ .
- عقود الوقفية ألبحته .
- عقود التأمين المختلط المضاعف .
وهناك عدد آخر من العقود المختلفة .
التكافل في الإسلام
أن الأمن مطلب كل إنسان في الحياة فهو يريد أن يطمئن على نفسه في حالة الكبر وعلى أسرته في حالة الوفاة وعلى أمواله في حالة الكوارث ، وفي ظل المجتمعات التي اتسمت بالمادية أصبح الإنسان يحس بالضياع والافتقار إلى الأمن فلجأ إلى التأمين كوسيلة من وسائل الحماية من غوائل الدهر ولكن في ظل المجتمع الإسلامي نجد أن التكافل والأمن الاجتماعي يسود ذلك المجتمع بفضل تعاليم الدين الحنيف.
فالزكاة قاعدة أمن اجتماعي ونظام العاقلة وصلة الرحم والتواد والتراحم ونظام بيت المال تكفل حياة الفرد من التشرد والضياع وتشعره بالاطمئنان في حالة الكوارث وكبر السن وتضمن حياة كريمة له ولمن يعولهم من بعده.
إذن إذا طبقنا الإسلام كما يجب ساد الأمن والعدل الاجتماعي والتكافل وعاش كل مسلم كريما مطمئنا وأغنانا ذلك عن البحث عن الوسائل العصرية التي نلجأ إليها اليوم لتحقيق حياة كريمة للإنسان.
ترشيد التأمين على الحياة
أن مشاكل العصر متعددة والاختناقات المادية في المجتمع الإسلامي تحاصر كل إنسان بأسلوب ارتجالي مضيعا مستقبله الشخصي أو مستقبل أبنائه وحتى يتحقق لنا ذلك المجتمع الإسلامي المنشود لابد أن نلجأ إلى الأساليب الممكنة لحفظ كرامة الإنسان المسلم وإعانته على تحمل أعباء الحياة وأهم تلك الوسائل تشجيع التكافل بين المسلمين بشتى السبل ووضع البدائل الإسلامية للمستجدات في هذا الميدان.
فالتامين على الحياة المنتشر في عالم اليوم يقدم من الضمانات ما يطمئن المؤمن له على مستقبله ومستقبل من يعول .
ويمكننا وعن طريق التكافل الذي هو مبدأ إسلامي أساسي أن نوجد عقدا تكافليا يكون البديل الأفضل عن التأمين على الحياة ويمكن تحقيق ذلك بإنشاء محافظ للتكافل بواسطة هيئات التأمين الإسلامية القائمة أو المؤسسات الإسلامية . ويجب أن نقر بأن هذه المحافظ لن تكون متوازنة ماليا في بدايتها ولن تستطيع الوفاء بالتزامها إذا اعتمدت على إمكانياتها فقط بل يجب أن يتم التعاون فيما بينها على شكل إعادة تأمين أو أن تلجأ إلى شركات إعادة التأمين العالمية وذلك في أول عمرها .
صندوق التكافل الإسلامي
يمكننا إنشاء صندوق التكافل الإسلامي كبديل للتأمين على الحياة الدارج في عصرنا الحاضر ويمكن وصف ذلك الصندوق فيما يلي :
اتفاق جماعة على إقالة عثرة المحتاج منهم ضمن أسلوب تعاقدي منظم يحدد فيه زمن وحجم المبالغ المترتبة الدفع ومقابل تبرعات محددة التواريخ محسوبة بأساليب فنية تعتمد على الإحصائيات والاحتمالات والحسابات الاكتوارية وذلك باشتراك الجماعة في صندوق التكافل الذي تديره هيئة منظمة بصفتها الجهة المضاربة بأموال الصندوق (( طبقا لأصول المضاربة الشرعية )) والمديرة لأعماله حسب لوائح مكتوبة .
فتقوم هذه الهيئة باستقطاب الراغبين في التكافل مع أخوانهم وتبرم العقود معهم ويحدد بالاتفاق زمن العقد ومبلغ التعويض عند تحقق الخطر المؤمن ضده وحجم التبرع المطلوب من المشترك وأسلوب دفعه
وعند تحقق الخطر المؤمن ضده يقوم الصندوق بدفع المستحقات للمستفيد فإذا نقصت أموال الصندوق عن الوفاء بالتعويضات جاز للهيئة أن تقرض الصندوق من الأموال المتاحة لديها من مصادر أخرى أو أن تنظم علاقة خاصة مع الصناديق المشابهة أو أن تقيم علاقة تأمينية مع هيئات التأمين وإعادة التأمين الإسلامية أو العالمية أن دعت الضرورة إلى ذلك ضمن شروط معينة تجيزها هيئة للرقابة الشرعية ، وبصفة عامة لا يطالب المستفيد الصندوق بأكثر من طاقته فيما زاد عما دفعه من تبرعات ونصيبها من الاستثمار المتحقق كما أن فائض الصندوق يبقى لصالح المشتركين إلى أن يصفى الصندوق فتوزع الأموال التي بحوزته – بعد إعطاء ذوي العلاقة حقوقهم – فيما يعود بالنفع على المسلمين حسب توجيهات هيئة الرقابة الشرعية ولا يمارس الصندوق عمله إلا بعد أن يعين هيئة للرقابة الشرعية تنظر في عقوده وعلاقته مع الآخرين وطرق استثمار أمواله وتجيزها من الناحية الشرعية .
غايات الصندوق :
- تحقيق التكافل والتعاون بين المسلمين.
- استثمار أموال المشتركين بالأساليب الشرعية .
- تشجيع المسلمين على الأدخار.
- توفير الحماية المطلوبة للأسرة عند فقد عائلها.
- ضمان العيش الكريم للمشترك في حالة الشيخوخة أو العجز المؤقت أو الدائم بسبب الحوادث أو المرض .
أسلوب التطبيق
تقوم الهيئة المشرفة على الصندوق بما يلي :
- استقطاب طلبات الراغبين في التكافل وتحدد الاشتراك المطلوب التبرع به من كل منضم للصندوق طبقا للمعايير الفنية اللازمة .
- إدارة الصندوق من الناحية الإدارية مقابل مبلغ مقطوع موحد عن كل طلب موافق عليه.
- استثمار أقساط الاشتراكات طبقا لشروط المضاربة الشرعية ومقابل نسبة من الربح المتحقق يعلن عنه في نشرات الهيئة الخاصة بذلك والتي تصدرها سنويا .
- يجوز للهيئة عملا على إيفاء التزاماتها أمام المتعاقدين التعاون مع الهيئات المشابهة أو إبرام اتفاقيات إعادة تأمين مع شركات إعادة التأمين التقليدية .
- في حالة مطالبة الهيئة بأداء التزام واجب الدفع لمشترك فإنها تدفع للمستفيد :
أ ) جميع الأقساط التي قام بدفعها المشترك.
ب) جميع نصيب المشترك من الاستثمارات .
ج) باقي المبلغ المتوجب دفعه للمشترك وذلك من صندوق الأقساط المتبرع بها . أو من هيئة إعادة التكافل أو إعادة التأمين التي أجرت الهيئة اتفاقا معها .
مثال :
- مشترك طلب الاشتراك في صندوق التكافل بعقد التكافل مع الأرباح (( عقد مختلط )) بمبلغ 10000 دينار تدفع عند الوفاة لعائلته أو له عند بلوغه سن الستين .
- قررت الهيئة أن يكون قسط التبرع هو 100دينار سنويا.
- بعد دفع المشترك خمسة أقساط حصلت الوفاة .
- تدفع الشركة في مثل هذه الحالة للمستفيد ما يلي :
- الأقساط التي دفعها 100× 500 دينار.
- حصته من أرباح الاستثمارات لما دفع من أموال وليكن مثلا مبلغ 10دنانير .
- المبلغ اللازم وفاؤه من صندوق التكافل هو كما يلي :
10000 – 510 = 9490 دينارا .
ويدفع هذا المبلغ أما من الصندوق نفسه أو من صناديق أخرى باتفاق فيما بينها على التعاون في مثل هذه الحالات أو من شركات إعادة التأمين التقليدية عندما تحتم ضروريات البدء في هذا النشاط وبتوجيه من الرقابة الشرعية للصندوق.
الرقابة الشرعية
تلتزم الهيئة المديرة للصندوق بتوجيهات لجنة الرقابة الشرعية التي تشرف على أعمالها وعقودها واتفاقياتها وتفحص ميزانيتها السنوية وتدرس استثمارها من الناحية الشرعية .
وتصدر رأيا مكتوبا توضح فيه وجهة نظرها وينشر ذلك ضمن تقرير مجلس الإدارة السنوي .
الخاتمة
قبل ربع قرن كان إنشاء بنك إسلامي ضرب من المستحيل ويشاء الله وبهمة العاملين من أبناء هذه الأمة أن تنتشر البنوك الإسلامية اليوم في قارات الخمس لتقوم بجميع الأعمال المصرفية التي يحتاجها المسلم في حياته اليومية وبالأسلوب الشرعي .
وكذلك كان إنشاء شركة تأمين تزاول أعمالها حسب قواعد الشريعة الإسلامية حتى أنشئت أول شركة تأمين سنة 1979م ونحن اليوم نجد أن شركات التأمين الإسلامية تنتشر ويتزايد عددها في العالم بشكل كبير .
ولما كان التأمين على الحياة مطلبا عصريا لأولئك الذين يودون حماية أسرهم وضمان عيش كريم لها أو لهم عند العجز.
إنني أرى مستقبلا واعدا للتكافل الإسلامي وأتوقع نجاحات متتالية لشركات التكافل في هذا العالم .