مقـــــدمة
أن ما تشهده الساحة العالمية اليوم من تطورات فكرية واقتصادية وما طرأ في عالمنا من أطروحات جديدة وجدت طريقها إلى التطبيق، قربت العالم من بعضه البعض وفتحت الحدود تحت مبرر العولمة ووقعت اتفاقيات تجارية تسمح بانسياب منتجات الدول وسهولة تنقلها وانسحب ذلك على تنقل البشر وانتقال الثقافات ونحن نرى في هذا فرصة جيدة فنستفيد من مثل هذا الانفتاح بأن نبرز فكرنا الإسلامي في جوانبه المختلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها.
ونسهم بذلك في ترشيد الاقتصاد العالمي وتنقية المجتمع الإنساني من معوقات التنمية و تحقيق العدالة في توزيع الثروة توزيعاً عادلاً كما يريده ديننا الحنيف.
أن أكبر خدمة نقدمها للعالم في عصرنا هو عرض هذا التراث الفكري الإسلامي الذي بين أيدينا على عالم اليوم ولا أشك أننا إن أحسنا العرض التف العالم حول ما نعرضه من نظريات وذلك لما يعانيه من ويلات اقتصادية ومشاكل اجتماعية حلها الأمثل يكون على يد الإسلام.
ولنا في تجربة البنوك الإسلامية مثالاً يحتذي به فبعد أن كانت هذه البنوك غير مرغوب فيها حتى لدى السلطات في بعض الدول ولدى الكثير من المؤسسات المالية العالمية حيث كان يحوم حولها شكوك في مقدرتها على الصمود وتحقيق النجاح وتلبية المتطلبات المالية العصرية، برزت اليوم كحقيقة أثبتت نجاحها ونموها المتواصل ونحن نرى استمرارية نموها بنسب فوق المعدلات العادية لدى المؤسسات المالية التقليدية ونتيجة لهذا النجاح عدلت كثير من الدول ومنها دول غربية قوانينها لتستوعب العمل المالي الإسلامي.
تطور النظم الاقتصادية
لو درسنا النظم الاقتصادية عبر التاريخ لوجدناها متغيرة وهذا التغيير رهين التجارب التي يمر بها الاقتصاد العالمي فالبشر هم صانعوا هذه النظم وتجاربهم واحتياجاتهم هي التي تعمل على تطوير الأنظمة الاقتصادية والمالية.
ولقد شاهدنا في القرنين الأخيرين سيادة نظامين اقتصاديين هما الاشتراكية والرأسمالية وخضع عالمنا الإسلامي لهذين النظامين بفعل السيطرة الأجنبية على بلداننا وذلك رغم تمسك أمتنا الإسلامية بدينها من حيث السلوك والعبادات إلا انها لم تتمكن من ممارسة تعاليم دينها في مجال الاقتصاد والمال.
لقد بذل الاستعمار جهداً كبيراً في طمس معالم الاقتصاد الإسلامي وأجبر الأمة على ممارسة الاقتصاد الوضعي بشقيه الرأسمالي والاشتراكي عن طريق تعميم مبادئه ونشر أدواته المالية والاقتصادية مثل البنوك وشركات التأمين وغيرها.
إلا أن هذا الحال لم يرض به عدد كبير من إفراد الأمة ونشطت هذه الفئة في نشر الفكر الاقتصادي الإسلامي.
ومرت هذه الجهود بعده مراحل نلخصها فيما يلي:
رأى المفكرون المسلمون تداعيات الاقتصاد الوضعي وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية ورصدوا سلبيات ذلك الاقتصاد وبمقارنتها بنتائج الاقتصاد الإسلامي في عهوده الزاهرة وبعدالة هذا الاقتصاد وجدوا أن لا ملاذ ولا منقذ للعالم إلا بتطبيق الاقتصاد الإسلامي.
ونحن لو رصدنا إفرازات الاقتصاد الوضعي لوجدنا ما يلي:
- أن قواعد السلوك النقدي غير مستقرة ولا تتمتع بقواعد تعزز الاستقرار النقدي وتحقق العدالة وتكافؤ الفرص 0
- لا توجد آلية قادرة على خلق التوازن الاقتصادي المتكافئ بين الدول تتميز بالعدل.
- قسم العالم تقسيماً يرضى الإطماع العسكرية بينما كان من المفروض أن يقسم العالم تقسيماً يحقق العدالة التنموية.
وعليه وجب إعادة النظر في السلوك الاقتصادي بقصد:
- تحقيق معدل نمو أفضل.
- عدالة في توزيع الثروة.
- استقرار في قيمة النقد.
- الحد من تأثير السلوك السياسي على السلوك الاقتصادي لخلق توازن عادل بين الدول.
ونتيجة هذا الهم الاقتصادي بدأ المفكرون المسلمون في عرض الفكر الاقتصادي الإسلامي فظهرت أقلام عديدة تبرز مزايا هذا الفكر وكان من بين أبرز المفكرين المودودي حيث نشر في مجلة ترجمان القرآن في عام 1937 أفكارا اقتصادية وكانت مرتكزاته الأساسية الربا وعلة تحريمه.
ثم في الأربعينات ظهرت أقلام أخرى مثل:
حسن البنا – محمد عبده – رشيد رضا – محمد الغزالي – باقر الصدر وغيرهم. وكل من هذه الاعلام الفكرية تناول عرض الاقتصاد الإسلامي من جانب من الجوانب. وجاءت سنوات الخمسينات والستينات بعدد من الثورات السياسية ولكن هذه الثورات لم توفق لأن التحرر السياسي لا يحقق نتائجه المرجوة، إذا لم يكن مدعوماً بتحرر اقتصادي والتحرر الاقتصادي يتحقق بعاملين رئيسيين:
- التحرر من سلطات الفكر الأجنبي .
- إيجاد الصيغة العملية للعودة إلى تراثنا الفكري الإسلامي ووضع هذا الفكر موضع التطبيق.
في عام 1963 بدأت أول تجربة عملية في تطبيق الاقتصاد الإسلامي في جانب من جوانبه وهو جانب المصارف فكانت تجربه ميت غمر في مصر وهي تجربه محلية.
وشاء الله أن يأخذ الفكر المصرفي الإسلامي بعداً دولياً ففي المؤتمر الإسلامي الثاني الذي عقد في كراتشي بباكستان تم التداول في موضوع التعاون الاقتصادي والثقافي والاجتماعي بين الدول الإسلامية ثم تمخض المؤتمر عن فكرة إنشاء البنك الإسلامي للتنمية.
وأخذ هذا الفكر بعداً أوسع فدخل ميدان المصارف التجارية عندما أنشئ بنك دبي الإسلامي عام 1975 ثم مصرف فيصل في مصر وتوالت فكرة تأسيس المصارف الإسلامية في السودان والأردن والكويت والبحرين.
هذه البنوك كانت الخطوة الأولى ضمن منظومة آليات تطبيق الاقتصاد الإسلامي وتلي هذه الخطوة تأسيس شركات الاستثمار الإسلامية وشركات التأمين وإعادة التأمين وغيرها من الآليات المالية الأخرى.
التطبيق العملي للتأمين الإسلامي
بعد تأسيس عدد من المصارف الإسلامية بدأت فكرة إنشاء شركة تأمين تعمل بضوابط شرعية إسلامية تراود أذهان الكثير من أبناء هذه الأمة وكانت البداية الشركة العربية الإسلامية للتأمين (أياك).
وأن أنس فلن أنس زيارات المرحوم الدكتور غريب الجمال لي عند رسم الخطوات الأولى لشركة أياك، حيث كنا نتدارس معاً وضع أسس هذه الشركة وكان يدعم الشركة كلا من الشيخ سعيد لوتاه والشيخ صالح كامل حيث كانا المؤسسين الرئيسيين لهذه الشركة.
أما بالنسبة لإعادة التأمين فكانت أول شركة هي الشركة الإسلامية للتأمين وإعادة التأمين ومقرها البحرين ولقد تشرفت بوضع النظام الأساسي للشركة وشاركت في الأعداد بوضع الاستراتيجيات اللازمة واللوائح والأنظمة وكان وراء تأسيس هذه الشركة مجموعة البركة كمساهم رئيسي وبنك البحرين الإسلامي – بيت التمويل الكويتي – بنك دبي الإسلامي – بنك قطر الإسلامي وعدد من المساهمين الإفراد، تلك كانت البدايات ثم مضت المسيرة.
كيف نعرِّف إعادة التأمين
عمليات إعادة التأمين لا تبتعد كثيراً عن تعريفها عن التأمين نفسه فهناك تشابه كبير بينهما من حيث الأسس الأولية. وكمدخل لتعريف إعادة التأمين لا بد لنا أن نعرِّف التأمين ليسهل علينا الوصول إلى معرفة إعادة التأمين.
تعريف التأمين
هناك تعريفات متعددة للتأمين فرجال القانون يختلفون في تعريفهم للتأمين عن رجال الاقتصاد. فالقانون المصري والسوري والعراقي يعرف كل منهم عقد التأمين بما يلي: “التأمين عقد يلتزم المؤمن (بكسر الميم) بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال أو إيراداً أو مرتباً أو أي عوض ماليٍ آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير قسط أو أيه دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له للمؤمن”.
يعرف القانونيون الأمريكيون التأمين كالتالي: –
عقد التأمين عموماً هو “تعهد من جانب شخص بأن يدفع لآخر نقداً أو أي شيء أخر ذي قيمة مالية في حالة حدوث حادث عرضي خارج عن إرادة الطرفين، وذلك بشرط أن يكون للشخص الموعود بالدفع مصلحة أخرى بجوار مصلحته الناشئة من العقد”.
أما الدكتور عيسى عبده “رحمه الله” فينقل في كتابه “التأمين بين الحل والتحريم” عن بحث للمرحوم الأستاذ عيسوي أحمد عيسوي التعريف التالي للتأمين.
التأمين عملية يحصل بمقتضاها أحد الطرفين وهو المؤمن له نظير دفع قسط على تعهد لصالحه أو لصالح الغير من الطرف الآخر هو المؤمن تعهداً بمقتضاه يدفع هذا الأخير أداء معيناً عند تحقق خطر معين وذلك عن طريق تجميع مجموعة من المخاطر وإجراء المقاصة وفقاً لقوانين الإحصاء.
أما الاقتصاديون والرياضيون فيعرفون التأمين كالأتي: –
هو “تحمل خسارة مالية قليلة مؤكدة مقابل تحمل خسارة أكبر محتملة أي تفضيل حالة التأكد على حالة عدم التأكد”.
وهناك تعريف آخر: –
هو “تنظيم وإدارة يعتمد على جمع عدد من المخاطر المتشابهة (الكثرة العددية) للوصول إلى احتمالات أقل في وقوع المخاطر”.
هذه خلاصة بمعنى ما ورد في تعريف التأمين من قبل الاقتصاديين أما رجال التأمين فيعرفون التأمين كما يلي: –
- يعرف د/ عادل عز التأمين في كتابه مبادئ التأمين كما يلي: –
“التأمين يهدف بصفة أساسية إلى حماية الأفراد والهيئات من الخسائر المالية الناشئة عن تحقق الأخطار المحتملة الحدوث، والتي يمكن أن تقع مستقبلاً وتسبب خسائر يمكن قياسها مادياً، ولا دخل لإرادة الأفراد أو الهيئات في حدوثها”.
- أما الدكتور عباس الحلواني فيعرف التأمين في كتابه الخطر والتأمين فيقول: –
“التأمين عبارة عن أداة اجتماعية يمكن بواسطتها تحويل عبء الخطر من الشخص المعرض له إلى شخص أو هيئة تعاونه في تحمله”.
- ويعرف الأستاذ أحمد جاد عبدالرحمن التأمين التبادلي في كتابه (التأمين) فيقول: –
“التأمين وسيلة لتعويض الفرد عن الخسارة المالية التي تحل به نتيجة لوقوع خطر معين، وذلك بواسطة توزيع هذه الخسارة على مجموعة كبيرة من الأفراد يكون جميعهم معرضين لهذا الخطر، وذلك بمقتضى اتفاق سابق”.
- ويعرف التأمين التجاري بأنه: –
اتفاق بين طرفين بمقتضاه يتعهد الطرف الأول بأن يعوض الطرف الثاني عن الخسارة المادية التي تقع له نتيجة لتحقق خطر معين في مقابل أن يدفع الطرف الثاني للطرف الأول مبلغاً ما أقل نسبياً من المبلغ الذي يتعهد الطرف الأول بسداده.
- ويعرف الدكتور سلامة عبد الله التأمين في كتابه الخطر والتأمين فيقول: –
“التأمين نظام يقلل من ظاهرة عدم التأكد الموجودة لدى المؤمن له وذلك عن طريق نقل عبء أخطار معينه إلى المؤمن، والذي يتعهد بتعويض المؤمن له عن كل الخسارة المالية التي يتكبدها، أو عن جزء منها.
- أما الدكتور على شاكر فقد ضمن رسالته المقدمة لنيل الدكتوراه لكلية التجارة جامعة القاهرة تعريفاً للتأمين يقول فيه: –
“التأمين نظام لإدارة الخطر يهدف إلى تخفيض الحالة المعنوية غير المواتية التي تلازم التضامن عند اتخاذ القرارات بتقليل عدم التأكد من نتائجها، ويتم ذلك بنقل عبء أخطار معينه إلى المؤمن الذي يتعهد بتحملها في إطار القواعد الفنية والقانونية.
- ويعرف G. A. Kulp التأمين في كتابه Casualty Insurance :-
“مشروع اجتماعي يعتمد على تجميع المخاطر، وبذلك يستبدل التأكد محل عدم التأكد فهو قد يكون عملاً تجارياً وقد لا يكون، وقد يستفيد، من معرفة الإحصائيين والرياضيين وقد لا يستفيد ولكنه دائماً مشروع اجتماعي يعتمد على مبدأ تجميع المخاطر”.
- أما H. Macee John في كتابه General Insurance فيعرف التأمين كتالي: –
“التأمين وسيلة نقل عبء تحمل الخطر إلى أشخاص أو هيئات متخصصة”.
- وقد عرف A. H. Willett في كتابه The Economic Theory of risk and Insurance التأمين على أنه: –
“مشروع اجتماعي يهدف إلى تكوين رصيد، بغرض مجابهة خسائر مالية غير مؤكدة، والتي يمكن تحاشيها عن طريق نقل عبء الخطر من عدة أشخاص إلى شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص، فإذا توفرت ظاهرة الرصيد اللازم لمجابهة الخسائر غير المؤكدة وظاهرة نقل عبء الخطر مع ظاهرة تجميع المخاطر، في هذه الحالة يظهر التأمين بمعناه الكامل”.
- أما تعريف التأمين التجاري عندي فهو: –
“قيام فرد أو جماعة أو هيئة وتسمى المؤمن بدوافع زيادة الثروة والربح الذاتي جمع أقساط من المؤمن لهم مقابل ضمان تعويضهم “بموجب عقد مكتوب” عند وقوع الخطر المنصوص عليه في العقد للشيء المؤمن عليه، وتحسب الإقساط بشكل يكفي لتغطية مبالغ التعويضات المحتملة ويحقق في ناتجها الربح للمؤمن.
وما يجدر التركيز عليه في تعريف إعادة التأمين هو ما ورد في بعض التعريفات التي مرت من أن التأمين يعتمد على نقل المخاطر من جهة إلى جهات متعددة فهي تنتقل من صاحب المشروع إلى شركة تأمين مباشرة حيث تمتلك طاقة من تحمل المخاطر أكبر من صاحب المشروع وهي الأخرى تنقل ما يفيض عن طاقتها إلى شركات إعادة التأمين.
وهذا النوع من توزيع المخاطر يساعد على تحقيق قانون الكثرة العددية التي لابد من تحققها لنجاح صناعة التأمين، فمن خلال الكثرة العددية يتحقق التوازن بين قيم الأشياء والمؤمن عليها ومبالغ التأمين كما أنه يحقق مبدأ توزيع المخاطر فبالتعاون بين شركات التأمين المباشرة وشركات إعادة التأمين تتمكن هذه الشركات زيادة قدراتها الاستيعابية.
سوق التأمين
يتكون سوق التأمين مما يلي: –
- شركات التأمين المباشرة.
- شركات إعادة التأمين.
- وسطاء التأمين.
- شركات التأمين المباشرة.
هي شركات في غالبها مساهمة عامة تنشأ بموجب قوانين الشركات برأسمال تحددها الأنظمة وتقع هذه الشركات في معظم الدول تحت رقابه البنوك المركزية حيث تعتبر من الشركات المالية.
وعلاقة هذه الشركات علاقة مزدوجة إذ لها علاقة بالمؤمن له من أفراد وشركات تجارية وغيرها هذا من جهة ومن جهة أخرى لها علاقة بشركات إعادة التأمين حيث أن هذه الشركات لها طاقة استيعابية محددة لا تستطيع فنياً تجاوزها وبغية منها في زيادة طاقتها الاستيعابية تلجأ لإعادة تأمين ما تؤمنه لدى شركات إعادة تأمين متخصصة فهي هنا تضيف إلى طاقتها الاستيعابية طاقة المعيد وهذا يمكنها من استيعاب أعمال أكبر وبسرعة أكثر.
وهذا هو سر توسع شركات التأمين المباشرة في قبول عمليات كبيرة قد تفوق رؤوس أموالها بكثير. فمثلاً لو أن شركة تأمين مباشرة عرض عليها تأمين محل قيمته مليون دينار وطاقتها الاستيعابية هي مائتي ألف دينار فعندها تعيد تأمين ثمانمائة ألف دينار لدى شركات الإعادة.
- شركات إعادة التأمين:
كما تخضع شركات التأمين المباشرة لرقابه البنوك المركزية فشركات الإعادة هي الأخرى تخضع لذات الرقابة، وهي شركات متخصصة في قبول عمليات التأمين من شركات التأمين وليس من الأفراد والمؤسسات وذلك إما مباشرة أو عن طريق وسطاء، وهذه الشركات في غالبها شركات مساهمة.
- وسطاء التامين:
وهم ينقسمون إلى قسمين:
- وسطاء يعملون في سوق التأمين المباشر أي بين العملاء وشركات التأمين المباشرة.
- ووسطاء متخصصون في عمليات إعادة التأمين إذ يقومون بالتوسط بين الشركات المباشرة وشركات إعادة التأمين.
نشأة إعادة التأمين
فرضت طبيعة صناعة التأمين التعاون بين شركات التأمين وذلك كما قلنا بغية توسعة الطاقة الاستيعابية للشركة وتحقيق الكثرة العددية وتوزيع المخاطر.
وكانت البدايات التعاون بين الشركات على أساس المشاركة في التأمين Coinsurance حيث تكتتب شركة ما الخطر ثم تشترك معها شركات أخرى وقد تعرف تلك الشركات المؤمن له أو أحياناً قد لا تعرفه. ونتيجة لطبيعة نوع المشاركة التي قد تؤثر على صلات الشركات بالعملاء أحياناً من خلال تقديم منافس للشركة للعميل (وكان ذلك في القرن الرابع عشر الميلادي) ظهرت عمليات الإعادة الاختيارية Facultative Reinsurance) لكل خطر على حدة فبموجب هذا النوع من أعمال الإعادة تعرض الشركة المباشرة (المسندة) لشركة تقبل أعمال الإعادة الخطر موضحة أوصافه وقيمة وشروط التغطية وتاريخ بدء التغطية ومدتها وشروط تفصيلية أخرى تستلزمها إعادة التأمين الاختياري وللشركة المعيدة الخيار بالقبول أو الرفض وأحيانا قد تتدخل في تعديل بعض الشروط ليتلاءم مع فلسفتها الإكتتابية .ومع زيادة الوعي الـتأميني وتنامي حجم العمل في مجال التأمين نتيجة زيادة الثروة زادت أعمال شركات التأمين وصحبتها زيادة تلقائية في عمليات الإعادة والتي لم تعد بشكلها الاختياري مناسبة ومحققه للسرعة في الاكتتاب هنا فرض التطور نفسه على السوق فكان ولادة الشركات المتخصصة في إعادة التأمين (Professional Reinsurance) التي طرحت اتفاقيات الإعادة الإلزامية التي لاقت القبول من الشركات المباشرة (المسندة) ففي عام 1846 شهد العالم ولادة أول شركة إعادة تأمين متخصصة وهي (Cologne Re) الألمانية وفي أقل من عشرين سنة من إنشائها وبالتحديد في عام 1863 تم الإعلان عن تأسيس الشركة السويسرية لإعادة التأمين (Swissre) وبعد عشرين سنة أخرى أنشأت ثاني شركة إعادة تأمين المانية وهي (Munich Re) ودخل البريطانيون سوق إعادة التأمين عام 1907 عندما تأسست شركة (Mercantile & General) ثم توالى تأسيس شركات إعادة التأمين في الدول الصناعية خاصة.
إلا أنه في نهاية القرن التاسع عشر وبعد حدوث سلسلة من الحرائق في أوروبا اشتدت حاجة أصحاب المصانع والمتاجر إلى التأمين مما زاد في حجم العمل كما زاد حجم إسناد شركات التأمين أعمالها إلى شركات الإعادة مما حقق مكاسب عالية للشركات المعيدة.
ولما رأت بعض الدول أن كثيراً من المكاسب تحصدها شركات الإعادة المتخصصة لجأت إلى أنشاء هيئات أهلية لإعادة التأمين وبدأت بها شيلي عام 1927 ثم تلتها تركيا فالبرازيل ففرنسا فباكستان والهند أما الدول العربية فقد أسست شركات الإعادة في مصر والعراق والمغرب والجزائر وانطلقت مبادرات متعددة في دول مختلفة من العالم لإنشاء شركات الإعادة.
بعد الحرب العالمية الثانية أدركت شركات التأمين ضرورة الاندماج وذلك لتخفيض مصاريفها الإدارية التي زادت بشكل كبير رافقها زيادة ملحوظة في كلفة الإنتاج حيث أصبحت طاقاتها الاستيعابية لا تتناسب وحجم السوق والعمليات المؤمن عليها.
وقد أدت عمليات الاندماج إلى ظهور شركات عملاقة لديها قدرات استيعابية هائلة مما أثر على حجم الحصص التي تسند إلى شركات الإعادة وجعلتها أقل تجانساً.
انتعش سوق التأمين وتبعه تلقائياً سوق إعادة التأمين في الخمسينات وساد التفاؤل السوق وبدأ حصاد الإرباح بشكل وفير وقد زادت شهية شركات إعادة التأمين في قبول المخاطر وبشكل تنافسي وفي كثير من الحالات كانت تبتعد هذه الشركات عن المعايير الفنية وما أن دخلت شركات الإعادة الستينات إلا وبدأت نذر تصرفاتها غير الفنية تؤتي نتائجها واشتدت وطأت خسائرها عام 1965.
اتسمت الستينات بعدد من المخاطر صاحبت التغيرات التي وقعت في كثير من بلدان العالم خاصة النامية منها مثل التغيرات السياسية والحركات القومية والنزعة التحررية والوطنية وقد انعكست مثل هذه التغيرات على النمو الاقتصادي والعلاقات الاقتصادية الدولية.
بعدها ظهرت تحولات فكرية في سوق إعادة التأمين فنشأت الهيئات الإقليمية لإعادة التأمين خاصة في الدول النامية. ففي عام 1969 عقد الاتحاد العام العربي للتأمين مؤتمره في الكويت وظهر المؤتمر بقرار أنشاء شركة إعادة التأمين العربية شارك في رأسمالها أعضاء الاتحاد العربي للتأمين.
وظهرت كذلك شركة أفريقية لإعادة التأمين تلاها تشكيل آخر يهتم بأعمال الإعادة حيث اتفقت كل من باكستان وتركيا وإيران على تشكيل نوع من المحافظ المشتركة لإعادة التأمين فأسندت قبول عمليات الحريق لباكستان وعمليات التأمين البحري لتركيا والحوادث العامة لإيران.
ولم نأخذ وقتاً طويلاً إلا وظهرت فكرة المجمعات التأمينية حيث تجتمع كل مجموعة من الشركات وتعين مديراً فنياً ليكتتب وبشكل جماعي في عمليات إعادة أصناف محددة من المخاطر وتحدد مسؤولية كل شركة في النسبة التي تكتتب بها ولها حق استثمار حصتها من الإقساط ومن أمثال هذه المجمعات مجمعات التأمين على الطيران.
في أواخر الستينات وأوائل السبعينات ظهر تعاون بين بعض الدول العربية لإنشاء مشاريع ضخمة كان من أوائلها شركة الحوض الجاف ( أسري) ومقرها البحرين وكنت عندها مديراً عاماً لشركة البحرين للتأمين التي قادت عملية جماعية (Consortium) بين شركات التأمين العاملة في الدول المالكة للمشروع وكان الهدف هو الاستفادة من الطاقة الاستيعابية لهذه الشركات وتشغيل خطوط التأمين الاستيعابية في مجالاتها المختلفة الاختيارية منها والاتفاقية وإعادة التأمين.
إلا أنه لم يكن من الحكمة الانفراد بالعمل وعدم اللجوء إلى السوق العالمية لما لمثل هذا التصرف من سلبيات وانعكاسات في السوق فأسندتُ 25% من حجم العمل إلى الأسواق العالمية واستوعبت الشركات الوطنية باقي النسبة.
أسواق إعادة التأمين العالمية
نتيجة لتنامي أعداد شركات إعادة التأمين في بعض البلدان بدأت تشكل بعض الدول ما يسمى بسوق إعادة التأمين ومن أشهر هذه الأسواق:
- السوق الأوروبية المشتركة:
وأقدمها سوق لندن أو سوق لويدز ونظام اللويدز نظام متميز بل فريد في العالم يرجع تاريخه إلى حوالي 300 سنة وهيئة اللويدز تتكون من جماعات Syndicates كل جماعة تتكون من أعضاء Underwriting Members ويمثل كل جماعة خبير أو أثنين لقبول المخاطر Underwriters ومن الجدير ذكره أن هيئة اللويدز لا تقبل الإعمال إلا عن طريق سماسرة مسجلين لديها Lloyds Brokers ومثل هذه الأسلوب خلق مجموعة من السماسرة ذات كفاءة تأمينية عالية. وشهرة عالمية واسعة مما جعل سوق اللويدز قبلة شركات التأمين في العالم وزامن نشوء هؤلاء السماسرة سماسرة آخرون غير مسجلين في لويدز Broking offices وتجدر الإشارة على أن عضويات لويدز كانت مقصورة على الرجال حتى أواخر الستينات حيث سمح لعضوات في اللويدز وبلغ عدد العضوات عام 1970 حوالي 46 سيدة. ولهيئة اللويدز أنظمة مالية وفنية ليس هنا مجال ذكرها. وبجانب سوق لندن هناك ألمانيا وسويسرا والتي تضم أنشط شركات إعادة التأمين.
- السوق الأميركية:
وهي تشمل أمريكا وكندا وهي من أكبر الأسواق حجماً ويعود كبر حجمها إلى كبر حجم الإعمال المتوفرة في السوق ويكفي أن نعلم أن ما يعادل 3/1 البضائع التي تجوب موانئ العالم أميركية.
- هناك أسواق أخرى بإحجام مختلفة في استراليا وأميركا اللاتينية وآسيا وإفريقيا.
الصور المختلفة لعقود إعادة التأمين
عملية إعادة التأمين تتم بأنواع مختلفة من العقود سيأتي ذكرها وكلها عقد بين طرفين الشركة المباشرة أو تسمى الشركة المسندة و شركة إعادة التأمين وبموجبه يتم الاتفاق بعرض وقبول وترتيب معين لدفع الالتزامات بين الأطراف فالشركة المباشرة (المسندة) تلتزم بدفع اقساط إعادة التأمين مطروحاً منها العمولات للشركة المعيدة وذلك على فترات محددة ينص عليها العقد والشركة المعيدة تلتزم بالوفاء بالتزاماتها حسب منطوق العقد بأن تدفع ما يخصها من الخسائر عند وقوعها.
التقسيم النوعي لعقود إعادة التأمين:
يمكن تقسيم اتفاقات إعادة التأمين من حيث النوع إلى ثلاثة أقسام:
- النقد.
- الخسارة.
- الخطر.
وفيما يلي شرح موجز لكل من هذه التقسيمات:
- النقد:
تنصب الاتفاقية على المشاركة في الإقساط المحصلة والخسارة الواقعة بصفة تناسبية كأن تتفق الشركة المسندة مع المعيد على أن تقسم قسط الوثيقة بينها وبين المعيد نسبة وتناسباً كأن تكون النسبة 20 – 80 في المائة ويقسم القسط بين الطرفين بذات النسبة وعند الخسارة يقسم التعويض بينهما بنفس النسبة أيضا وللشركة المسندة عمولة يتفق عليها مع المعيد يدفعها أي المعيد للشركة مقابل جهودها الإدارية من تسويق وإدارة وغيرها.
- الخسارة:
في هذا النوع من الاتفاقيات نجد أن النظر يجري في الخسارة فهي مناط الشرط بين المسند والمعيد كأن يقال أي خسارة تزيد عن عشرة آلاف دينار يدفعها المعيد فمثلاً لو طالب مؤمن لدى الشركة بمبلغ 100 ألف دينار فأن الشركة المسندة تدفع عشرة آلاف دينار ومبلغ التسعين إلفاً يدفعها المعيد.
- الخطر:
موضوع الاتفاقية بين الشركة المسندة والمعيد يكون نوع الخطر الذي ترغب الشركة المسندة أن تعيده كأن تتفق الشــركة بأن تعيد حصــة محددة إما عن طريــق فائض الخسارة Excess of Los أو المشاركة النسبية Quota Share لخطر معين مثل مخاطر الشغب والاضطرابات وبعض الكوارث الطبيعية وهذا هو طبيعة المخاطر التي تدرج عادة حدر هذه الاتفاقيات.
خصائص عقد إعادة التأمين
هناك تشابه كبير بين خصائص عقود إعادة التأمين والتي تكون بين شركة التأمين المباشرة وشركة إعادة التأمين وبين خصائص عقد التأمين المبرم بين المؤمن له وشركة التأمين والترابط جار في الآثار بين العقدين فإذا لم تتوفر خاصية من هذه الخصائص بين الشركة المؤمنة والمؤمن له انسحبت اثارها على العقد بين الشركة المسندة والمعيد.
ومن خصائص عقد الإعادة المبرم بين شركة التأمين والمعيد ما يلي:
- عقد رضائي:
يتم العقد بين الطرفين بتمام الرضا ونجد أن عقد إعادة التأمين يكون عقداً مكتوباً يحدد التزامات وواجبات كل جهة وشروط العقد والاستثناءات إذ يحرص المعيد أحياناً أن يستثنى بعض المخاطر أو الأماكن الجغرافية أو أنواع من البضائع والعقد يكون تاماً ومكتمل الأركان بالإيجاب والقبول والاتفاق على طريقة دفع القسط.
- عقد ملزم لطرفي التعاقد:
عند الاتفاق على الشروط التي تخضع لها اتفاقية إعادة التأمين يجري التوقيع عليها من قبل الطرفين وبموجبه يلتزم كل طرف بما تمليه عليه هذه الاتفاقية ويجري تنفيذها طبقاً للجدول الزمني الذي تخضع له تنفيذ الالتزامات خاصة من الجانب المالي.
- من عقود المعاوضة:
بموجب شروط العقد بين الطرفين فان كل طرف يأخذ عوضاً من الآخر فالشركة تدفع ما يترتب عليها من أقساط مقابل أن تحصل على عوض عما يترتب عليها من خسائر والمعيد بأخذ القسط مقابل أن يدفع حصته من الخسارة.
- عقد زمني:
جميع اتفاقيات إعادة التأمين لها زمن محدد وهي سنة في الغالب وهي تتبع زمن وثائق التأمين التي أصدرتها شركة التأمين والتي هي جميعها لها زمن محدد باستثناء تأمين البضائع حيث تؤمن الرحلة وهي الزمن الذي تستغرقه البضاعة لنقلها من ميناء إلى ميناء أو من مستودع إلى مستودع حيث تنتهي الوثيقة بانتهاء الرحلة.
- عقد احتمالي:
التأمين ينبني على إحصائيات احتمالية ولكن لا يوجد جزم بوقوع الخسائر للشيء المؤمن عليه فشركات التأمين وإعادة التأمين تؤمن على ما هو محتمل الوقوع وليس المحقق وقوعه، فطرفي العقد لا يعرفان بالتحديد كم سيتكبدان من الخسائر عند أنشاء التعاقد ومتى سيقع الحادث.
- المصلحة التأمينية:
تتحقق المصلحة التأمينية لشركة التأمين لمجرد توقيعها عقد التأمين مع المؤمن له فإذا تحقق الخطر المؤمن عليه كالحريق مثلاً ووقعت الخسارة أصبح على الشركة الالتزام بالتعويض حسب شروط الوثيقة وعليه فأن المصلحة التأمينية تتحقق هنا ولها آثار مالية هذه المصلحة وما يترتب عليها من آثار توفر الحق للشركة بإعادة التأمين ومن ثم بالمطالبة بالتعويض عند تحقق خسارة، فإذا لم يتحقق أي التزام على شركة التأمين فأنه ليس من حقها أنشاء مثل هذا العقد ومن ثم مطالبة المعيد بأي تعويض.
- منتهى حسن النية:
ينبني التأمين في مجمله على منتهى حسن النية بين جميع الإطراف المؤمن له وشركة التأمين وشركة إعادة التأمين فكل طرف يجب أن يكون حسن النية في جميع ما يدلى به من معلومات ولا يخفي على الآخر أي معلومة من المعلومات ومثل هذا الإخفاء يؤثر على عقد التأمين وقد يلغي آثاره أحياناً أو قد يعتبر تدليساً وتضليلاً فكل طرف عليه أن يعرض الحقائق التي يعرفها عن موضوع التأمين دون إخفاء لأي حقيقة. وهذا الشرط وهو شرط ضمني تخضع له جميع وثائق التأمين وهي التي يترتب عليها ممارسة المعيد أقصى مراتب الثقة فالشركة مؤتمنة على ما تقول وما تتصرف والمعيد يثق بالشركة ويأتمنها ويعتمد سجلاتها ويثق في تصرفاتها ويلتزم بما تلتزم به أمام الغير.
- السرية:
أساس عملية التأمين (السرية) فالشركة المؤمنة تلتزم مع عميلها بأن لا تبيح اسراره، إذ يقع تحت يد الشركة كثيراً من أسرار العملاء تصل إلى حد معرفة حجم الثروة على وجه التقريب بل قد تتعدى ذلك إلى أسرار أسرية عند التأمين على الحياة أو ترك نسخة من الوصية لدى الشركة للعمل بها عند وقوع الحادث. وكذلك شركات إعادة التأمين مؤتمنة على أسرار شركة التأمين التي قد تضطلع عليها بحكم الاتفاقيات وآثارها. لذا كان جانب الالتزام بالسرية جانباً هاماً، وفي ميثاق العمل بين الشركات والعاملين فيها ما يتضمن مثل هذا البند (بند السرية).
أنواع اتفاقيات إعادة التأمين
يمكن تقسيم اتفاقيات إعادة التأمين إلى أنواع:
اتفاقية ملزمة للطرفين:
وهنا تلتزم الشركة بان تعيد لدى شركة الإعادة جميع ما يرد إليها من نوع معين من التأمين ومقابل ذلك يلتزم المعيد بأن يقبل ذلك دون أن يترك الخيار لأي طرف.
اتفاقية ملزمة للمعيد:
في هذا النوع من الاتفاقيات يترك للشركة حق إسناد ما تريد أن تسنده من خطر محدد للاتفاقية المبرمة بين الطرفين دون إلزامها بإعادة جميع ما تكتتب به من المخاطر التي تنص عليها الاتفاقية والالتزام يقع على المعيد فهو ملتزم بأن يقبل أي خطر اختارت الشركة أن تسنده إلى الاتفاقية ضمن شروط متفق عليها.
أن هذه الاتفاقيات تسهل عمل شركة التأمين فهي تعيد أعمالها لدى الشركات المعيدة والشركات ملزمة بالقبول مما يجعل شركة التأمين تتوسع في قبول أعمال التأمين وتزيد من قدراتها التنافسية في السوق ويعطيها فرصة سرعة قبول التأمين من العميل على عكس التأمين الاختياري الذي يكون اختياريا بين الإطراف فالشركة مختارة في عرض أي نوع من التأمين على أي شركة معيدة تختارها والشركة المعيدة مخيرة بين القبول أو الرفض أو القبول بشروط ومثل هذا النوع من الإعادة الاختيارية يطيل أمد أجراء إعادة التأمين وبالتالي يطيل أمد إصدار وثيقة التأمين للعميل. مما يفوت كثيراً من فرص العمل.
هناك اتفاقية ثالثة ملزمة للشركة المسندة واختيارية للمعيد وهي نادرة الاستخدام وغير عملية بالنسبة للشركات المسندة.
أساليب اتفاقيات إعادة التأمين
لو أردنا تقسيم الاتفاقيات المستخدمة في السوق لوجدنا أنها تنقسم إلى قسمين:
- الاتفاقيات النسبية Proportional Treaties
وحدر هذا النوع من الاتفاقيات تقع:
- اتفاقية المشاركة Quota Share Treaty
- اتفاقية الفائض Surplus treaty
- الاتفاقيات غير النسبية Non – Proportional Treaties
وتنقسم إلى قسمين:
- زيادة الخسارة Excess of Los
- الحد الأقصى من الخسارة التي تقف عندها خسارة شركة التأمين Stop loss Treaty
وفيما يلي شرح مبسط لكل نوع من الاتفاقيات:
- اتفاقية المشاركة Quota share
بموجب هذه الاتفاقية تتفق شركة التأمين المباشرة بأن تعيد نسبة من كل خطر تؤمن عليه أو وثيقة تصدرها كأن تعيد 80% مما تؤمن عليه لدى شركة إعادة تامين أو مجموعة من شركات إعادة التأمين وافقوا على الاشتراك في اتفاقية الإعادة كل بسبته وتحتفظ الشركة بالنسبة الباقية وهي 20% حيث تأخذ إقساطها وتوزع باقي الإقساط على المعيدين وتلتزم كل جهة عند وقوع الخسارة أن تدفع من الخسارة بنفس النسبة التي اكتتب بها وتمنح شركات الإعادة عمولة للشركة المسندة مقابل ما تقوم به من جهود الإدارة والتسويق. وللاتفاقية حدود قصوى من حيث المبالغ تحدد للموقع أو الوثيقة.
مثال
اتفاقية مشاركة حدودها القصوى خمسة ملايين دينار للوثيقة ونسبة احتفاظ الشركة المسندة 20%
النسبة المعادة حدر الاتفاقية 80%
فلو افترضنا أن شركة التأمين أمنت على بضاعة بقيمة مليون دينار وأخذت إقساطا يعادل 1% فعليه يكون مجموع القسط 1000 دينار يقسم كالتالي:
1000 X 100/20 = 200 دينار للشركة المسندة
1000 X 100/80 = 800 دينار للشركات المعيدة كل بنسبة اكتتابه في الاتفاقية، فلو افترضنا أن الاتفاقية نصت على عمولة مقدارها 30% من الإقساط فعندها تخصم الشركة المسندة عمولتها وهي 100/30 x 800 = 240 دينار.
- اتفاقية الفائض:
اتفاقية الفائض من الاتفاقيات النسبية ولكن ليست كاتفاقية المشاركة التي تعتمد كليا على النسبة والتناسب بحدها الأقصى. وإنما هي خطوط (شرائح) فالشريحة الأولي هي الاحتفاظ، ثم يتبعها خطوط من مسؤولية المعيد فمثلاً شركة مسندة اختارت أن تحتفظ بالشريحة الأولى وقدرها 1000 دينار ونصت اتفاقيتها على عشرة خطوط فعليه يكون الحد الأقصى من مسؤولية المعيد هو 1000 x 10 = 10000 دينار.
فلو أن مؤمن أمن بناية بقيمة 200,000 دينار فيكون توزيع مبلغ التامين كالتالي:
الشريحة الأولى وهي الاحتفاظ -/1000 دينار
الحد الأقصى للاتفاقية -/10000 دينار.
أذن مجموع الاحتفاظ ومسؤولية المعيد 11000 دينار وباقي مبلغ التأمين تعيده الشركة المسندة اختيارياً وتتقاضى الشركة عمولة تنص عليها الاتفاقية عما تسند لها من أعمال حدر الاتفاقية إلا أنه يمكن أن تعمل خطوط الاتفاقية على أقسام يخضع كل قسم لعمولة معينه وعدد من الخطوط كأن تكون الاتفاقية مكونه من قسمين أو ثلاثة من الخطوط. العشرة الخطوط الأولى فيها وهو الفائض الأول تخضع لعمولة محددة للشركة المسندة وخمسة خطوط أخرى وهو الفائض الثاني تخضع لعمولة مختلفة عن عمولة الخطوط الأولى وهكذا.
ولا يتم الانتقال من الفائض الأول إلى ما بعده إلا بعد استيعاب مبلغ الفائض الأول وهكذا، أذا كانت الاتفاقية مكونه من أكثر من فائض.
وهناك أسلوبان متبعان في تحديد احتفاظ الشركة المسندة فيمكن أن يكون الاحتفاظ محدداً ثابتاً Flat Retention ويمـــكن أن يكون الاحتفاظ بحدين أقصـــى وأدنـــى Minimum & Maximum Retention كأن تنص الاتفاقية على أن احتفاظ الشركة المسندة بحديه الأقصى والأدنى هو 10000 – 30000 ويترك الاختيار للشركة المسندة أن تختار لكل وثيقة رقماً فيما بين الحدين وعند اختيار مبلغ الاحتفاظ فالحد الأقصى لمسؤولية الشركة المعيدة هو مبلغ الاحتفاظ مضروباً في عدد خطوط الاتفاقية.
ولما كانت اتفاقيات التأمين تعتمد على الكثرة العددية والتجانس فان العمولة للفائض الأول يكون أعلى من الفائض الثاني وهكذا.
هذا النوع من الاتفاقيات هو الشائع ويستخدم في معظم أنواع التأمين مثل التأمين البحري والحريق وهياكل السفن وغيرها. وهي تعطى فرصة لاحتفاظ الشركة المسندة بكامل طاقتها.
ولما كانت اتفاقية الفائض من الاتفاقيات النسبية فعليه يوزع القسط وكذلك التعويض بين الشركة المسندة والمعيد كل بنسبة ما يتحمل من مسؤولية.
وتجدر الإشارة أن الاتفاقيات النسبية تخضع لنوعين من العمولة تحصل عليها الشركة المسندة عمولة أعادة التأمين التي سبق ذكرها وعمولة الإرباح إذ أن المعيد يدفع نسبة مما يحققه من أرباح حدر هذه الاتفاقيات للشركة المسندة وذلك تشجيعاً منه للشركة لحسن اختيار المخاطر.
- اتفاقيات زيادة الخسارة:
مع تطور سوق أعادة التأمين ظهرت الحاجة إلى اتفاقيات أخرى أكثر مرونة غير الاتفاقيات النسبية مثل اتفاقيات زيادة الخسارة وهي اتفاقيات غير نسبية وملخصها أن الشركة المسندة تحتفظ بملغ معين (يسمى أولوية) Priority or Underlying Retention من كل تعويض تدفعه ناشئ عن حادث معين أو عدد من التعويضات منشأها حادث معين واحد. ويدفع معيد التأمين أي زيادة في التعويض تفوق اولوية الشركة المسندة وترى أن هذه الاتفاقيات لا تخضع لأي نوع من النسب ولا لعمولات بل تخضع لقسط معين ينسب إلى مجموع الإقساط المكتتب بها وله حد أدنى لا ينزل عنه القسط حتى لو نزلت مجموعة الإقساط عن الحد المقدر في الاتفاقية.
وللاتفاقية حد أقصى لكل تعويض يقع عن حادث تنص عليه الاتفاقية فان أرادت الشركة أن تحمي نفسها فيما لو زاد التعويض عن ذلك الحد فلها أن تعقد اتفاقية زيادة خسارة أخرى تبدأ مسؤولية المعيد فيها بعد استنفاد أولوية الشركة المسندة والحد الأقصى من اتفاقية زيادة الخسارة الأولى.
لقد انتشرت هذه الاتفاقية بشكل كبير وشملت عدة أنواع من عمليات التأمين وكثيراً ما نرى أن الاتفاقية الواحدة ينضوي تحتها مجموعة من التأمينات كالحريق والبحري … وغيرها وتسمى هذه الاتفاقيات بالاتفاقيات الشاملة.
- اتفاقية إيقاف الخسارة:
تلجأ بعض شركات التأمين إلى هذا النوع من اتفاقيات الإعادة وهي غير منتشرة بكثرة ومدة هذه الاتفاقية كغيرها سنة واحدة. يتفق على حدها الأقصى وتبدأ مسؤولية المعيد عندما تصل التعويضات المدفوعة إلى مبلغ معين كأن تصل إلى 75% من إجمالي أقساط ذلك النوع من التأمين المغطى ويلجأ غالباً لمثل هذا الغطاء في الحوادث غير المتكررة كالزوابع والعواصف أو بعض الأخطار السياسية .
- اتفاقيات إعادة إعادة التأمين Retrocession:
كما أن شركة التأمين المباشرة تعقد اتفاقيات مع معيدي التأمين لحماية نفسها كذلك المعيد يعيد التأمين لدى شركات الإعادة الأخرى وتقبل هي أيضا عمليات من شركات الإعادة فالعلاقة بين شركات الإعادة تبنى على أساس تبادل عمليات الإعادة Reciprocity وتتم عمليات التبادل هذه إما مباشرة بين الشركات أو عن طريق سماسرة متخصصين.
شبهات حول العلاقة بين شركات التأمين الإسلامية
وشركات إعادة التأمين التقليدية
لا شك أن الحرج قائم في التعامل مع شركات تأمين تقليدية لا تخضع لتعاليم الشريعة الإسلامية وبعضها لا تخضع لأخلاقيات المهنة الأساسية التي انطلقت منها عمليات التأمين فهذه الشركات تتعامل بالربا وتعيد عمليات تأمين لا يجيزها الشرع الحنيف.
ولكن شركاتنا الإسلامية مجبرة على التعامل معها إذ لا تجد البديل خاصة وأن حجم الأعمال في المنطقة وعدم التوازن فيها لا تسمح لشركاتنا حتى لو اتفقت فيما بينها على التعاون على تغطيتها. وعليه سعينا منذ بداية التفكير في أنشاء شركاتنا الإسلامية إلى أمرين:
- تنقية العلاقة بين شركاتنا وشركات الإعادة من الحرام.
- تشجيع أنشاء شركات تأمين وشركات إعادة تأمين إسلامية.
أن أهم ما يجب أن نحرص عليه هو تنقية علاقاتنا مع شركات الإعادة من الحرام أول ما يواجهنا من حرام هو طلب المعيد فوائد على الإقساط المحتجزة وتثبيت نسبة الفائدة ولقد نجحنا في أقناع المعيدين بقبول إيداع هذه المبالغ لدي البنوك الإسلامية بعد أن أثبتنا لهم أن المردود مجز وان هذه البنوك تتمتع بالملاءة المالية ومن باب الاحتياط تودع المبالغ في أكثر من بنك اعتماداً على حجم المبالغ المتوفرة.
ونظراً لضعف شركات التأمين الإسلامية في السوق العالمي للتأمين نظراً لقلة عددها وصغر حجم أعمالها، حيث أن عددها في حدود 60 شركة وأكبر عدد منها في ماليزيا أما من حيث الأقساط فهو في حدود 1,5 مليار دولار أمريكي.
حيث تستحوذ ماليزيا والشركة الوطنية للتأمين في السعودية على حوالي نصف مجموع الأقساط وتقدر حجم الأقساط المعادة في حدود 50%. وهو رقم لا يمكن الركون إليه في فرض الأسلوب الإسلامي في مجال معاملات التأمين.
علماً أن عالمنا العربي والذي تبلغ أقساطه 6 مليار دولار ويعيد 60% تقريباً من مجموع الأقساط يعتبر سوقاً صغيراً في عالم الإعادة.
هذا الحجم من الأقساط لا يجعل شركات التأمين وإعادة التأمين الإسلامية في موقف تستطيع أن تفرض شروطها ولذلك فعليها أن تسعى إلى بذل الجهد الذي يمكنها من تنقية علاقاتها مع المعيدين بإثبات وجود قوى فنياً ومادياً وهذا ما سيخرجها من وضع قبول شروط الغير نظرا للحاجة.
مستقبل سوق التأمين الإسلامي
قبل عشرين عاماً قدمت للاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية استراتيجيه للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية وارتكزت الإستراتيجية على ثلاثة محاور:
- رفع بلوى الربا عن الجمهور:
أن جمهورنا المسلم يتجنب الحرام في المعاملات وهو لا يقدم عليه إلا مجبراً فان توفر الحلال أقبل عليه ولذلك وجب علينا أن نرفع الحرج عنه وأن نعدد المؤسسات المالية من تأمين وبنوك وشركات استثمار … وغيرها، حتى يتاح للمسلم بدائل إسلامية وبدائل بين المؤسسات المالية الإسلامية مثل تعدد البنوك الإسلامية وغيرها من المؤسسات المالية الخادمة في المنطقة الواحدة فيكون للمتعامل مجال التخير ويسود جو من المنافسة بين هذه المؤسسات لتقديم أفضل الخدمات وتسعى لصقل قدراتها.
- رفع بلوى الربا عن الحكومات:
لا يختلف اثنان على أن حكوماتنا لا تقصد الحرام في معاملاتها المالية بل هي مدفوعة إليه ولذلك علينا أن نضع بدائل الاقتراض والإقراض الحكومي بشتى صورها ولقد كتبت أول بحث عن الإقراض الحكومي سنة 1981.
- تدويل الاقتصاد الإسلامي:
ليس هدفنا فقط تنقية معاملاتنا من الحرام في بلداننا بل هدفنا أن يسود الحلال العالم كله التزاماً بالشريعة الإسلامية فالإسلام دين عالمي ولم يرسل محمد (ص) هادياً لفئة من البشر وإنما أرسل للناس كافة فعليه وعند نجاح تجاربنا الإسلامية في عالم المال إقليميا يجب أن نعممها على العالم كله.
أن هذه الإستراتيجية التي قدمتها قبل حوالي ربع قرن مازالت الحاجة إليها قائمة في جميع الأعمال المالية وخاصة التأمين وعليه علينا أن نتخذ الخطوات التالية:
- أنشاء شبكة من شركات التأمين المباشرة ليس في العالم الإسلامي فقط بل وخارج نطاق العالم الإسلامي بحيث يصل حجم هذه الشركات إلى حجم مؤثر في العمل.
- أنشاء شركات إعادة تأمين برؤوس أموال كبيرة خاصة في مثل هذه القترة الزمنية فترة عودة الأموال المهاجرة إلى المنطقة وأن لا تقتصر على تأسيس شركات الإعادة في العالم الإسلامي بل نخرج إلى خارج عالمنا ويجب أن نؤسس هذه الشركات مع مراعاة ما يلي:
- رؤوس أموال كبيرة.
- استخدام تقنية عالية.
- أن يكون لها مظهراً مميزاً.
- أن يكون رأس المال البشري لديها عالي الخبرة ومتمرس في فنيات العمل ويتمتع بسمعة عالية.
أننا نقدر الجهد الذي يجب أن يبذل في مثل هذا المجال نظراً لطبيعة سوق إعادة التأمين ولكنها خطوات لا بد منها في مجال عمل عالمي النطاق وفي اعتقادي أن إنشاء شركات إعادة تأمين خارج نطاق الدول الإسلامية اجدى من إنشائها في الداخل وذلك لعدة أسباب أهمها:
- وجود فرص أكبر للعناية بالبحوث والدراسات والإحصائيات والاستفادة مما هو قائم و نشر بحوث مستحدثة من منظور إسلامي.
- أن إعادة التأمين عمل فني صرف وكلما كنا قريبين من الأسواق المتقدمة كلما استفدنا أكثر.
- عدم وجود موظفين مؤهلين بمستوى عال في مجال إعادة التأمين في منطقتنا.
- العمل على رفع الطاقة الاستيعابية لشركاتنا وهذا يتطلب مراعاة الكثرة العددية وهي ميزة غير متوفرة في عالمنا الإسلامي.
- الخروج من نطاق سوق المشتري.
- وجود فرصة أكبر للتخصص لمن يريد ذلك.
- وجود فرصة أكبر للانتقاء بين المخاطر المعروضة في السوق.
- تفادي آثار التضخم السائد في كثير من بلداننا.
- وجود بنية تحتية قانونية متينة وبمنظومة متكاملة.
- تفادي التقلبات في القوانين.
- وجود قوانين راسخة في مجال التأمين وإعادة التأمين.
- وجود رقابة مالية من جهات إشرافية وشفافية يفرضها القانون تطمئن المتعاملين.
- عدم وجود قيود على حركة المال والبشر.
- عدم وجود تقلبات في قوانين الضرائب.
الخاتمة
أن صناعة التأمين وإعادة التأمين صناعة دقيقة وفنية عالية وتنطوي على كثير من المخاطر بجانب انطوائها على كثير من الإرباح وهي بحاجة إلى أذرع استثمارية عالية الكفاءة.
وفي سبيل تطوير هذه الصناعة من الناحية الإسلامية أرى إنشاء اتحاد فعال يضم جميع شركات التأمين وإعادة التأمين تسعى لتحقيق ما يلي:
- رفع مستوى التعاون بين شركات التأمين وإعادة التأمين القائمة.
- رفع مستوى العمل الفني لدى العاملين في الشركات القائمة.
- تشجيع أنشاء شركات تأمين وإعادة تأمين جديدة داخل وخارج العالم الإسلامي.
- نشر الوعي التأميني بين المواطنين.
- حث الشركات القائمة على تقوية قواعدها الرأسمالية.
- نشر الفكر التأميني الإسلامي محلياً وعالمياً.
- التواجد العالمي للفكر التأميني الإسلامي في المحافل العالمية.
- نشر الفروع والتوكيلات لشركات التأمين وإعادة التأمين الإسلامي محلياً وعالمياً.
- العمل مع الحكومات الإسلامية لاستكمال البنية القانونية التحتية في بلدانها وفيما يخص نشاط التأمين.