التحدي أمامنا كبير، فلن يقبل أبناؤنا السياحة في الخليج بدلا عن السياحة في أوروبا، لذا علينا التركيز على تطوير البيئة السياحية لتسقطب أبناءنا، كأن ننشئ المزيد من البرامج السياحية، ونطور الفنادق، وتغذية الأسواق بالسلع..
نصف عام مضى ونحن في معترك مع فيروس (كورونا)، وكلما ضيق هذا الفيروس أطواقه على أنفاسنا رنت أعيننا تبحث عن إيجابيات لعام (الكورونا). نعم تلك هي طبيعتنا نقتنص الأمل في البيداء، ونصطاد الفرص من وسط الأمواج العاصفة، ذلك لأننا على يقين بأن كل شيء بقضاء الله، وفي قضائه خير وصلاح لنا، هذا يقيننا، وتلك قناعتنا. واليوم وفي عام (الكورونا) التي أنهكت اقتصاد العالم، وبدأت الدول تلملم الفتات لتسد رمقها، نجد أمام أعيننا المليارات تتلألأ وتنادينا لتكون بين أيدينا، فقد أعلن ((زوراب بولوليكاشفيلي))، الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية، في تقرير أطلقه عام 2017م أن نفقات السياحة الخارجة من دول مجلس التعاون الخليجي بلغت 60 مليار دولار، تلك المليارات كان ينفقها أبناء دول الخليج العربي على السياحة في دول أوروبا، واليوم وبعد أن أقعدنا فيروس (كورونا) عن السفر والسياحة لم يبقَ أمامنا سوى السياحة الداخلية، تلك القعدة أعطتنا فرصة لاكتشاف جمال أوطاننا والسياحة بها، تلك القعدة أعطتنا فرصة للتأمل والتفكير واقتناء الفرص لتطوير البنية التحتية لتكون مناسبة لاستقطاب أبنائنا للسياحة الداخلية وصرف تلك الأموال في دول الخليج بدل صرفها في الخارج.
تصور، 60 مليار دولار، ماذا سيحدث لاقتصادنا عندما تصب فيه تلك المليارات؟ ماذا سيحدث لأبناء الخليج عندما ينفقون تلك المليارات في أوطانهم فتعود عليهم بالرفاه؟ حتما ستنتعش الصناديق التي كادت تنضب، وستنتعش الأسواق التي كاد يهجرها الزبائن بسبب فيروس (كورونا)، وستنير الفنادق أضواءها بعدما غرقت في سبات عميق بسبب توقف حركة السياحة في فترة عام (الكورونا)، ليعود هذا الحراك على اقتصادنا بالخير والنماء.
التحدي أمامنا كبير، فلن يقبل أبناؤنا السياحة في الخليج بدلا عن السياحة في أوروبا، لذا علينا التركيز على تطوير البيئة السياحية لتسقطب أبناءنا، كأن ننشئ المزيد من البرامج السياحية، ونطور الفنادق، وتغذية الأسواق بالسلع عن طريق إقامة المعارض وغيرها من التدابير، ولكن الأهم من كل هذا الإبداع في الترويج للسياحة وتقديم العروض التشجيعية، وتنظيم الرحلات الجماعية لأبناء الخليج ليجدوا البديل القوي بين أيديهم، هذا ليس ضربا من الخيال، فكم من دول كانت بعيدة عن خريطة الدول السياحية فأصبحت اليوم عاصمة لها، فكلنا نذكر ماليزيا، وسنغافورة وتايلاند عندما كانت دولا يعزف عنها السياح من أبناء الخليج، فلا مطاعم تناسب أذواقهم، ولا بيئة مريحة، ولا شوارع معبدة، ولا برامج جاذبة، ناهيك عن لهيب حرارة الجو فكنا نستبعد أن تستطيع هذه الدول إقناع سياح الخليج للتحول من أوروبا إلى دولهم، كنا نرى أن استقطابهم ضربا من المستحيل، لكن تلك الدول اليوم باتت وجهة أبنائنا الأولى للسياحة.
مهلا عزيزي القارئ!!! مهلا عزيزي السائح الخليجي، أعلم أنك ستستنكر هذا القول قائلا: أتستبدلون السياحة في حبال أوروبا وأسواق أميركا، وشواطئ وحدائق دول الشرق الأقصى بالسياحة في دول الخليج؟!!! تمهل وتأمل، فها أنت اليوم تقضي إجازتك الصيفية في ربوع بلادك مضطرا بسبب فيروس (كورونا)، لكنك حصلت على فرصة لتكتشف مناطق جميلة في بلادك، وفنادق فخمة ومريحة من حقك أن تستمتع بها، وبرك وشواطئ لم تطأها قدمك من قبل فاكتشف ربوع بلاك واستمتع بها.
مهلا عزيزي القارئ، ماذا بعد أن تفتح المطارات أبوابها؟ فهناك الفرصة متاحة لأن نقضي إجازتنا في ربوع إحدى دول الخليج، فتلك ربوع الطائف وجبال نجد وبهاء أبها، وتلك ينابيع عُمان وشلالاتها التي تسلب الأبصار وشواطئها الشفافة كشفافية قلوب أهلها، فكم استوقفتنا صور لمشاهد طبيعية خلابة ظنناها من سويسرا أو فيينا أو غيرها من الدول التي عرفت بسحر طبيعتها، فإذا هي فلذة كبدنا، إنها مناظر من عُمان لنشهد معا بأنها عُمان الجمال. فلتكن هي وجهتنا للسياحة ولتكن باقي دول الخليج مقصدنا لقضاء إجازاتنا لنعيش فيها أسعد الأيام، ولنسلم باقتصادنا… ودمتم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبد اللطيف جناحي
كاتبة بحرينية