رحماك يا رب العباد، فأنت مُلهم الصبر وأنت مُنعم النعم، رحماك يا من تنزل البلاء وتنزل معه اللطف والشفاء. فمن البلاء أن يسلط الله عليك أحد خلقه فيظلمك ويتجبر عليك، ما أبشع أن تتجرع كأس الظلم، فمرارته تدمي القلب، وتشعل الغضب، وتشعرك بالآلام والأوجاع، فكم عانيت من آلام ظلمك ومرارته، فتمزق قلبي قهرا وغضبا وانهمرت دموعي علها تطفئ حرقة قلبي، لكنني بعدما عانيت من تبعات وآلام ظلمك أدركت أن ظلمك فتح لي باب نعم كثيرة، فلك امتناني يا من أوقعت عليَّ الظلم فأنا ممتنة لك بالكثير، فلا تستنكر استبدالي كلمات التأنيب واللوم والشكوى الموجهة لك بكلمات الشكر والامتنان، لا تستنكر استبدالي بالامتنان بدل من كلمات الحزن والأسى. يا ظلمي والظلم يدمي القلوب، ويهلك النفوس، أنت لم تندم قط على ما ارتكبته في حقي من إساءات!! أتراك حاسبت نفسك وأنَّبتها؟! هل ندمت وتبت على ما فعلت؟! لا أظن ذلك، فالتوبة من الظلم تتطلب رد المظالم لأصحابها. هل خفت من غضب رب العالمين عليك، وما قد ينزله الله عليك من حساب وعقاب، ففكرت برد الظلم الذي أوقعته عليَّ؟ كل هذا لم يبدر منك، فأنا لا أنتظر منك رد الظلم، أو تعويضي عما خسرت مما أوقعته عليَّ من ضرر؛ لأن المكاسب التي كسبتها من ظلمك لي تفوق المكاسب التي قد أنالها لو تراجعت عن ظلمك لي وقدمت لي التعويض. بقدر حجم الألم، بقدر الجراح التي تسببتها لي، وبقدر الشعور بالظلم، وما أقساه من شعور، فقد نلت مكاسب لا تحصى من مرارة ظلمك هذا، فأدركت أن وقوع الظلم على الإنسان هو ابتلاء من الله عليه، لكنه في الوقت نفسه مفتاح يفتح الله له به أبوابا كثيرة من النعم للمظلوم، حتى أيقنت أن الظلم نعمة من الله. شكرا لك لأنك جعلت أحبَّتي تلتفُّ حولي فيساندونني ويواسوني ويقدمون لي العون، فيغمرونني بحبهم ليداووا جراحي، وكم أكرموني بالهدايا، والبرامج الترفيهية ليدخلوا السعادة في قلبي. فيجبروا بخاطري الكسير، فأدركت أنني في هذا الدنيا أحظى بدرع منيع من الأحبة يحمونني من عاديات الزمن. لك امتناني يا ظالمي، فبظلمك استرجعت علاقتي بكثير ممَّن بعدوا عني أو هجروني، أو خاصموني، أو كادوا أن يكونوا أعداء لي، فبعد أن رأوا جراح سهامك في جسدي، تعاطفوا معي واقتربوا مني حتى ذاب جبل الجليد الذي بيني وبينهم، وإذا الذي بيني وبينه بيان أو شقاق عاد ليكون وليًّا حميمًا. شكرا لك يا ظالمي لأنك دفعتني لسجادتي؛ لأحيي الليالي قياما وتهجدا، فكم أطلت الجلوس على سجادتي، أقضي الوقت ساجدة راكعة رافعة يدي بالدعاء، أدعو الله، وأتضرع وأستغيث به سبحانه جلَّ وعلا فيخشع قلبي وتدمع عيني، فأقربت أكثر من خالقي لأنال الأجر والثواب بإذن الله. شكرا لك يا ظالمي فظلمك دفعني للجوء إلى الله فأقترب منه أكثر وأكثر فيظل لساني يلهج بالدعاء طوال اليوم، ويظل قلبي متعلقا بالله يملؤه الرجاء، وتظل جوارحي خاشعة راجية العون من رب العالمين، فأحسست بقربي إلى الله، وحاجتي وتذللي له. قربا ملأ قلبي طمأنينة وسكينة. شكرا لك يا ظالمي، فظلمك كان سببا لينعم الله العزيز الكريم عليَّ بعونه ورحمته الواسعة، فالمظلوم مستجاب الدعاء، فها هي دعواتي تستجاب أراها أمام عيني واقعا حقيقيا بعدما كانت رجاء وأملا، وها هو الفرج ينزل من رب العالمين ليعوض خسائري، وها هي نعم الله أرزاق تترى واحدة تلو الأخرى. فتعلمت ألا أغضب من أي ظلم يقع عليَّ، فلا أثور ولا أتوجع ولا أشعر بالقهر؛ لأنني أيقنت أن هذه المشاعر ستنهش في بدني وفي صحتي، فأصاب بالأمراض فأدخل في دوامة العلاج وماراثون داخل المستشفيات وأنفق أموالي وأوقاتي لاسترجاع أغلى ما لدي وهي صحتي، تعلمت أن أفكر بهدوء لاسترجاع حقي، فأعرف كيف أصل لمن ينصفني، وأصف مشكلتي لأطلب المساندة والعون فلا تمنعني الصدمة وآلامي من وقوع الظلم على من التصرف الصحيح، فلا يشل تفكيري وأقف سلبية مستسلمة، بل أحاول بشتَّى الطرق لاسترجاع حقوقي فلا أجزع من جور ظالم، ولا من بطش جبار، ولا أخاف من قوي متسلط، ولن آسى على ضعفي؛ لأن الله ينصر المظلوم وينعم عليه ويجبر كسر خاطره، وأيقنت بأن الله قد أرسى ميزان عدالته بين خلقه… ودمتم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري