يعيش الناس على هذه الأرض آمنين مطمئنين، وهم يجتهدون ويتعاونون معا لتوفير حياة مستقرة في الأرض التي يعيشون عليها، فيذللون الجبال، والصحاري والغابات، والبحار لتكون بيئة مناسبة يسهل عليهم العيش فيها فيعبِّدون الطرق، ويقيمون الحقول والمزارع والمراعي، ويبنون المساكن والمنشآت كالمستشفيات، والمدارس، كل هذا من أجل العيش في استقرار وأمان في أوطانهم.
ولكن تعتري هذه المعيشة الهادئة أحداث تغير البيئة التي يعيشون فيها من بيئة صحية مستقرة إلى بيئة لا تصلح للعيش، وهذه الأحداث هي الكوارث التي تدمِّر البيئة الصحية والسليمة التي بناها الإنسان ليعيش فيها، بل إن بعض الكوارث تودي بحياة الناس، ناهيك عن تدمير بيئتهم وهي: الكوارث الطبيعية من أعاصير وزلازل، وفيضانات، وقحط، وبراكين، وحرائق الغابات، كما أن هناك كوارث من صنع الإنسان نفسه وأهمها الحروب. وهذه الكوارث تدمِّر الإنسان والبيئة التي يعيش فيها فتهلك النسل والزرع والمباني. فعندما تحلُّ كارثة يزداد عدد القتلى، والمعرضين لخطر الموت نتيجة تلك الكارثة، ويكثر الجرحى الذين يحتاجون لعلاج لإنقاذ أرواحهم، وتتدمر مصادر الرزق كالمزارع والمصانع، وتتدمر المباني من مساكن والمنشآت المختلفة الخدماتية كالمستشفيات والمدارس وغيرها. هنا تصبح المنطقة منكوبة، فيصبح الناس في هذه المنطقة بحاجة لإغاثة ومساعدة لإنقاذ الأرواح وإعادة تهيئة بيئتهم لتكون صالحه للعيش فيها مرة أخرى. فتتعاون المؤسسات الحكومية والأهلية التطوعية المختصة في هذا المجال من جميع دول العالم لمساعدة الناس في تلك المناطق المنكوبة، وإنقاذ الأرواح. وتختص هذه المؤسسات والمنظمات في عدَّة مجالات، مثل مجال الدفاع المدني، ومجال الإغاثة الطبية، ومجال الإغاثة الإنسانية، ومجال الإعمار. وتمرُّ عمليات الإغاثة بعدَّة مراحل نذكر أبرزها:
أولًا: مرحلة انتشال جثث الضحايا، وإنقاذ أرواح الناس العالقين في مناطق الخطر والمتعرضين لخطر الموت فيتم إنقاذهم من الغرق أو التعرض للحريق أو إنقاذ العالقين تحت أنقاض المباني المتهدمة نتيجة الكارثة وإيصالهم لمكان آمن، وعادةً ما يقوم بهذا الدور في هذه المرحلة فرق ومؤسسات الدفاع المدني، سواء كانت الحكومية منها أو المؤسسات الأهلية.
ثانيًا: مرحلة علاج المصابين نتيجة هذه الكوارث، ففي المناطق المنكوبة تنشأ مستشفيات ميدانية مؤقتة بمواصفات خاصة لاستقبال الجرحى وإنقاذ حياتهم بأسرع ما يمكن، فتعمل هذه المنظمات على تجهيز هذا النوع من المستشفيات بحيث تكون قريبة من مناطق الكارثة، وتوفر طاقما طبيا ذا خبرة في مجال الإغاثة ليقدموا العلاج للجرحى مثل: علاج الكسور، وإجراء عمليات للمصابين، وعلاج الحروق، وخياطة الجروح العميقة التي قد تؤدي للوفاة، وإنقاذ المتعرضين للغازات من الاختناق وغيرها. ويقوم أطباء من مختلف الجنسيات بالتطوع في مجال الإغاثة الطبية من خلال منظمات عالمية طبية تطوعية مختصة في هذا المجال مثل جمعيات الهلال والصليب الأحمر الدولي الطبي، منظمة أطباء بلا حدود.
ثالثا: مرحلة توفير بيئة العيش المؤقتة: فبعد حلول الكوارث عادةً ما يفقد الناس مساكنهم، وأموالهم، ومصدر الرزق الذي يتكسبون منه، فيكونون بحاجة لتوفير مساكن تحميهم من العوامل الجوية، وملابس، وطعام، ومياه نظيفة وتدفئة أو تبريد للجو وغيرها من وسائل تهيئة البيئة المعيشية. كما تتضمن هذه المرحلة إيجاد حلول لمشكلة فقد الناس لهُويتهم كجوازات السفر وبطاقات الهُوية، ومشكلة توفير الهُوية للمواليد الجدد الذين يولدون في هذه المرحلة. وتهيء هذه المنظمات جميع مقوِّمات بيئة المجتمع، فتوفر مدارس أولية، وعيادات ميدانية. ويمكننا القول إنها تنشئ مدنًا مؤقتة لإيواء المتضررين من الكوارث إلى أن يتم إعادة المتضررين إلى مناطق العيش الطبيعية التي كانوا يعيشون فيها، وتقوم منظمات الإغاثة الإنسانية بهذا الدور وهي ـ بطبيعة الحال ـ لديها خبرات لتهيئة مدن مؤقتة. أو بمعنى آخر، مخيمات مؤقتة لمثل هذه الظروف. ومن هذه المنظمات الصليب والهلال الأحمر الدولي ومنظمة الأونروا ولجنة الإغاثة الدولية (IRC).
رابعًا: مرحلة إعادة الإعمار، وتهدف هذه المرحلة إلى إعادة تهيئة المنطقة المنكوبة لتكون صالحة للعيش مرة أخرى، بإزالة آثار الدمار، وإعادة البناء، وهنا تدخل في هذه المرحلة الصناديق الدولية، والجهود الدولية، ويكون دور المنظمات التطوعية محدودا في هذه المرحلة. تلك مراحل الإغاثة التي تتبع لإغاثة منطقة منكوبة، وهذه المراحل تتداخل مع بعضها البعض وتتزامن من الناحية الواقعية العملية. وبطبيعة الحال، يكون هناك تكامل وعلاقة تعاون منظمة بين الفرق والمنظمات والمؤسسات التي تعمل لإغاثة المنطقة المنكوبة، سواء كانت منظمات طبية أو إنسانية أو منظمات دفاع مدني.
أجارنا الله وإياكم من الكوارث، وحفظ الله أوطاننا آمنة مطمئنة… ودُمْتم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري