عرف العلماء الوقف الخيري على أنه حبس الأصل وتسبيل المنفعة. ويقصد بحبس الأصل هو أن تنتقل ملكية المال الموقوف من ذمة الواقف إلى ذمة الله، والموقوف قد يكون عقارا كأن يكون بيتا أو أرضا زراعية، أو مصدرا للمياه كالآبار والينابيع، وقد يكون أدوات حرفة كسفن الصيد أو أدوات الحدادة والنجارة أو غيرها. ويقصد بتسبيل المنفعة هو أن يتم وقف المال أو العين؛ بهدف تقديم خدمة للناس والمجتمع كالاستفادة من المياه أو الإنتاج الزراعي أو السكن في العقار أو التكسب بأدوات الحرف. وهنا يجب الحفاظ على المال الموقوف من الهلاك أو التعطل عن تقديم المنفعة، فلا يتصرف فيه بالبيع أو الهدم أو غيره بما يسبب هلاك العين الموقوفة، ولا تهمل العين الموقوفة بحيث تعجز عن تقديم المنفعة، وتلك مسؤولية متولِّي أو ناظر الوقف الخيري، فعليه بذل الجهود واتخاذ التدابير بحيث يحافظ على العين الموقوفة من الضياع أو عدم تقديم المنفعة. إن حماية الوقف الخيري من الهلاك وضمان استمراريته في تقديم النفع يحتاج لمبالغ من المال كأن يحتاج لمبالغ لصيانة المباني الموقوفة، أو لاستصلاح الأرضي الزراعية الموقوفة، أو لصيانة بئر المال من الانسدادات التي تحصل بسبب العوامل الطبيعية، ومصدر هذه الأموال إما من ريع استثمار الوقف نفسه أو من ريع استثمار وقف آخر أوقف لصالحه. ومثال ذلك أن توقف أرضا زراعية ليكون ريعها لصيانة مسجد معين. وعموما فإنه في كثير من الأحيان يحتاج متولِّي الوقف لأموال للحفاظ على الوقف الخيري ولتشغيله، وقد لا يجد هذا المال مما يؤدي إلى ضياع الوقف الخيري وتعطل منفعته، وهنا يطرح سؤال نفسه وهو: ما مدى جواز اقتراض ناظر الوقف أموالا بهدف استخدام أموال القرض للحفاظ على الوقف الخيري وضمان استمرارية تقديم المنفعة؟ ويشترط للاقتراض ما يلي:
• يشترط أن يكون القرض قرضا حلالا غير محرم فلا يكون فيه ربا، ولا يقترض من مؤسسة مصدر أموالها محرمة.
• أن يضمن مصدرا للمال لسداد القرض كـأن يستخدم ريع استثمار الوقف الخيري للسداد، أو أن يكون هناك متربع يضمن سداد القرض. فيجب اتخاذ التدابير بما لا يوقع متولِّي الوقف في مساءلة قضائية لعجزه عن السداد.
• أن يكون الهدف من عملية الاقتراض تحقيق المصلحة للوقف الخيري.
وأرى إن كان الهدف من الاقتراض للوقف الخيري الحفاظ عليه من الهلاك كان هذا القرض ضرورة، وعلى متولِّي الوقف الخيري اتخاذ التدابير للحصول على هذا القرض، ووضع خطة للسداد. أما إن كان الهدف من هذا القرض هو تطوير الوقف الخيري لزيادة المنفعة فهو محمود إن كان هناك مصدرا واضحا لتمويل سداد القرض، أما إن كان الهدف من الاقتراض هو تشغيل الوقف الخيري لضمان تحقق المنفعة كأن يقترض لشراء البذور والشتلات والأسمدة لاستزراع الأرض فيضمن استفادة الموقوف عليهم من الأرض الزراعية فمن الضروري الاقتراض، مع وضع خطة السداد. وندلل على طرحنا بما ورد في الموسوعة الفقهية حيث قال: أما الاستقراض على الوقف, فهو جائز لداعي المصلحة… غير أن الفقهاء اختلفوا في شروط الاقتراض على الوقف على ثلاثة أقوال: (أحدها) للحنفية: وهو أنه لا يجوز الاقتراض على الوقف إن لم يكن بأمر الواقف, إلا إذا احتيج إليه لمصلحة الوقف ـ كتعمير وشراء بذر وليس للوقف غلة قائمة بيد المتولِّي ـ فيجوز عند ذلك بشرطين: الأول: إذن القاضي إن لم يكن بعيدا عنه, ولأن ولايته أعم في مصالح المسلمين, فإن كان بعيدا عنه فيستدين الناظر بنفسه. والثاني: أن لا تتيسر إجارة العين والصرف من أجرتها. (والثاني) للمالكية والحنابلة: وهو أنه يجوز للناظر الاقتراض على الوقف بلا إذن حاكم لمصلحة ـ كما إذا قامت حاجة لتعميره, ولا يوجد غلة للوقف يمكن الصرف منها على عمارته ـ لأن الناظر مؤتمن مطلق التصرف, فالإذن والائتمان ثابتان له. (والثالث) للشافعية: وهو أنه يجوز لناظر الوقف الاقتراض على الوقف عند الحاجة إن شرطه له الواقف أو أذن له فيه الحاكم, قالوا: فلو اقترض من غير إذن القاضي ولا شرط من الواقف لم يجز, ولا يرجع على الوقف بما صرفه لتعديه فيه ولا يجوز للناظر أن يستدين من مال الوقف لنفسه كما قال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: فرع: ليس للناظر أخذ شيء من مال الوقف على وجه الضمان، فإن فعل ضمنه، ولا يجوز له إدخال ما ضمنه فيه أي في مال الوقف، إذ ليس له استيفاؤه من نفسه لغيره (وإقراضه إياه) أي مال الوقف، (كإقراض مال الصبي) انتهى. ونخلص مما سبق أنه يجوز لمتولِّي الوقف الخيري الاقتراض لتعمير الوقف الخيري إذا كان هناك مصلحة للوقف، وما دام هناك خطة واضحة للسداد… ودُمتم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري