a couple of palm trees that are next to each other

ما أمر كأسك أيها الانتظار

ما أمرَّ كأسك أيها الانتظار فمَن منَّا يطيق أن يتجرعها؟! ما أصعب رفقتك أيها الانتظار فأنت تعصر القلب، وتبلي المشاعر، فأنت تجرعنا كأسك المُرَّة عندما ننتظر عودة عزيز من السفر أو عودة حبيب قد هجر، أو زيادة في الرزق بعد الفقر، أو الإعلان عن نتيجة امتحان قمنا بأدائه أو انتظار موعد إقلاع طائرة، وتجرعنا من كأسك عندما ننتظر شفاء مريض، أو قدوم مولود جديد. وأيًّا كان هذا المنتظر خيرا أم شرا؟ وأيًّا كانت مدَّة الانتظار طويلة أم قصيرة؟ إلا أن كأس الانتظار مُرَّة عسيرة غير مستساغة. فخلال ساعات الانتظار تمتلئ قلوبنا بمشاعر سلبية أليمة وترقب بما سيحدث في المستقبل، ونظل نتساءل: هل سيكون الآتي بعد الانتظار كما نتمنى؟! أم سيكون عكس ما نتمنى؟! فيملأ القلق قلوبنا والخوف من المستقبل وتختلط المشاعر في نفوسنا، فنحتاج جرعات كبيرة من الصبر ورباطة الجأش والتماسك وضبط النفس. نعم سنستعين بكأس الصبر لنبتلع كأس الانتظار، فكأسك أمرُّ من كأس الصبر.

ما أقسى رفقتك أيها الانتظار، فأنت قادر على أن تفصلنا عن حاضرنا فننشغل عنه وعن الواقع الذي نعيشه، لنتعلق بمستقبل لا ندري أقريب هو أو بعيد، وكأنك تسعد بآلامنا وتملأ قلوبنا بأحاسيس سلبية وبالحكايات بالحزن، لا سيما إن طال الانتظار، حتى يتحول الزمن الذي نقضيه معك إلى محنة، فما أطول الزمان برفقتك. فالثواني تمرُّ كالساعات والساعات تمرُّ كالأيام، والأيام كالسنين، فنزاد ألمًا وحزنًا وربما تجرفنا للشعور باليأس والعجز وخيبة الأمل، فنعجز عن إحداث أي تغيير في الواقع أو المستقبل لنحقق أهدافنا، فلا يكون أمامنا إلا السكون والاستسلام، فمن يلازمك أيها الانتظار لا بُدَّ أن يستعين بكأس من الصبر، فبالصبر نواجه أعاصير المشاعر السلبية التي تعج في قلوبنا، وبالصبر نقاوم صفعاتك الموجعة لنفوسنا، فنستعين بمرارة الصبر لنواجه مرارتك.

أيها الانتظار لن أرافقك إلا للضرورة، فلن أنتظر المستحيل، ولن أنتظر أمرًا لا يرتجى، فهيهات أن يحيي الندى أهل القبور ولا يقي! لن أنتظر المستحيل كي لا تهزمني مشاعر الألم والمرار، وسألبس تاج التفاؤل والأمل، وأحلي شفتَيَّ بالابتسامة، وسأقنع وأرضى بما يقسم لي كي لا يداهم قلبي الحزن واليأس. فمن أنت أيها لانتظار؟ فأنت تعني الترقب. فما أنت إلا كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره، ونقيضك اليأس؛ فكلما كان الانتظار أشد كان التهيؤ أكبر. ولعمري إن انتظار وقوع الشر أشد مرارة من قوع الشر نفسه، وإن انتظار نيل الخير أسعد وأجمل من نيل الخير نفسه، تلك طبيعة نفسنا البشرية نبالغ في مشاعرنا تجاه المستقبل سواء فرح أو خوف. ولِمَ لا؟ فإن الله ينزل اللطف على قلب ابن آدم إذا نزل به البلاء فيهدأ قلبه بهذا اللطف وتسكن نفسه. وهنا نذكر مقولة لِعَلي ابن أبي طالب ـ كرم الله ـ وجهه حيث قال: (إذا خفت من الشيء فقع فيه) أي لا تنتظر ولا تتردد في مواجهة ما تحاذر، بل ادفع بنفسك للوقوع فيه فإن انتظار البلاء أصعب من وقوع البلاء نفسه.

لكن مهلًا أيها الانتظار!! فلن نستسلم لقهرك، فسنحوِّل ذلك الزمان الذي نقضيه برفقتك إلى وقت نستثمره ونستفيد منه، فسنقضيه بين سجدة وتسبيحة ودعاء وابتهال إلى الله، فنتقرب إلى الله ونكسب الأجر والثواب وتعج قلوبنا بالأمل والرجاء ليغير الله حالنا إلى أفضل الأحوال ما بين غمضة عين والتفاتتها. ثق أننا لن نستسلم، فنقضي الوقت برفقتك ساكنين ومكتوفي الأيدي، بل سنقضيه في عمل ورجاء لتحقيق غاياتنا. ثق بأننا سنقبل التحدِّي وسنحوِّل الانتظار، لا سيما انتظار الفرج، من انتظار سلبي بلا مبادرة إلى انتظار إيجابي. فقد روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: «انتظروا الفرجَ ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج». نعم سنعد رفقتك المُرَّة المؤلمة عبادة سنسعد بها ونرجو فيها الخير لنا، فدعونا نحوِّل كل همٍّ فرحا ونرضى بما قسم المليك لنا، فإنما قسم الأقدار علَّامها… ودُمْتم أبناء قومي سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري