العمل الخيري يسهم بشكل كبير في عملية التنمية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وذلك من خلال دعم عدة مجالات وأهمها: يتولى العمل الخيري سدَّ احتياجات الأُسر المحتاجة ودعمها لحمايتها من العوز وتحسين مستوى معيشتها..
يحتفل العالم في الخامس من سبتمبر من كل عام باليوم العالمي للعمل الخيري، وقد تم اختيار هذا التاريخ إحياء لذكر الأم (تيريزا) وهو تاريخ وفاتها، وذلك تكريما لجهودها الكبيرة في مجال العمل الخيري. وقد أقر اليوم العالمي للعمل الخيري في العام 2015 ميلادي، وذلك خلال اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث تم الاتفاق على أن الفقر والحاجة المادية ذو أثر سلبي كبير على عملية التنمية الاجتماعية، ولا يمكن أن تكون عملية التنمية ناجحة دون إيجاد حل لمشاكل الفقر والعوز، وقد تم الاتفاق على أهمية تعزيز روح التعاون ودفع الجمعيات والشركات الكبرى ومنظمات المجتمع المدني على القيام بالأعمال الخيرية، وتأمين الحاجيات الأساسية للأسر الفقيرة، فتم وضع قواعد أساسية يتم العمل من خلالها للوصول إلى مجتمع عالمي خالٍ من الفقر أو العوز.
ويقصد بالعمل الخيري هو ذلك النشاط الذي يقوم به الفرد أو مجموعة من الأفراد أو منظمة أهلية غير ربحية لنقل تبرعات المتبرعين إلى المحتاجين. وبمعنى آخر، أن الناشط في العمل الخيري ما هو إلا وسيط بين المتبرع والمحتاج. ويعد العمل الخيري ثقافة أصيلة في المجتمعات العربية والإسلامية، فنحن نتعبد بالعمل الخيري، فهناك عبادات قائمة على التبرع وهي إما فرض كإخراج الزكاة، أو الكفارات، وزكاة الفطر، وإما سنة أو مستحبة مثل: الصدقات، والأضاحي، والوقف الخيري وغيرها. ويتولى الناشط في العمل الخيري مهام عدة أهمها: التعرف على الأسر المحتاجة للدعم والمساندة، وتحديد نوع احتياجاتهم عن طريق إجراء بحوث اجتماعية ميدانية، وتتنوع هذه الاحتياجات كأن تكون هناك حاجة لدفع كلفة العلاج، أو التعليم، أو توفير السكن أو ترميمه أو توفير الطعام والمياه وغيرها، كما يقوم بالتواصل مع المتبرعين وإقناعهم بدفع تبرعاتهم وزكاتهم وصدقاتهم لتلك الأسر الذي قام بدراسة حالتها واقتنع بمدى حاجتها للحصول على هذه التبرعات، ثم ينقل هذه التبرعات وفق طرق مختلفة. ومن أشهر هذه الطرق، نقل مبالغ نقدية وتسليمها للأسر المحتاجة، أو تسهيل التحويلات البنكية لحساب المنظمة الأهلية أو الفرد، ثم توزيع هذه المبالغ على الأسر، أو تسهيل دفع التبرع من المتبرع إلى حساب جهة تقديم الخدمة للأسرة كالمستشفيات أو المدارس أو المحال التجارية، كما يقع على عاتق الناشط في العمل الخيري مسؤولية الحفاظ على أموال التبرعات والتي هي عبارة عن أموال الزكاة والصدقات وخلافه، فهو مؤتمن عليها. ومن هنا، يجب عليه حفظ البينات المالية حول تلك التبرعات، والبينات التي توضح جهة صرفها وتوفير المستندات الدالة على استلام المستفيدين لهذه المبالغ. والواقع أن الناشطين في العمل الخيري يتحملون مسؤوليات كبيرة بطريقة تطوعية دون تحقيق أي أرباح خاصة بهم، إلا أننا نجد بعض الناشطين في العمل الخيري يستلمون نسبة من التبرعات مقابل جهودهم ومقابل كلفة تنفيذ المهام التي يقومون بها ككلفة توفير المواصلات، وكلفة الاتصالات، وإنشاء السجلات المحاسبية وغيرها.
وعموما فإن العمل الخيري يسهم بشكل كبير في عملية التنمية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ وذلك من خلال دعم عدة مجالات وأهمها: يتولى العمل الخيري سدَّ احتياجات الأُسر المحتاجة ودعمها لحمايتها من العوز وتحسين مستوى معيشتها، كما يساعد العمل الخيري على نقل الأُسر المحتاجة من العوز إلى الاكتفاء، فهو يوفر فرص العمل عن طريق توفير الأدوات التي تساعد الأُسر المحتاجة والشباب العاطلين عن العمل على امتهان مهنة معينة أو العمل من المنزل، وهو ما يسمى بالأُسر المنتجة عن طريق توفير المعدات والأدوات اللازمة للمهنة: كمكائن الخياطة، وأدوات الطبخ التي تساعد الأسرة على إنتاج مواد غذائية وبيعها في الأسواق، وأجهزة التصوير التي تساعد العاطل عن العمل على العمل في مجال التصوير وتوفير سفن الصيد لمساعدتهم على كسب الرزق وغيرها، ومن المجالات التي يدعمها العمل الخيري كونه يسهم في تنفيذ مشاريع تنموية تسدُّ احتياجات المجتمع كإنشاء دور الإيواء للمحتاجين، سواء كانوا أيتاما أو أرامل أو مشرَّدين والإنفاق على تشغيلها، وتوفير المستشفيات والمدارس الخيرية غير الربحية وغيرها. كما يتكفل العمل الخيري بدعم مجال الأغراض الدينية كبناء المساجد وصيانتها وتشغيلها، وتأسيس المدارس الدينية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم والمعاهد الشرعية، ويدعم العمل الخيري بشكل كلِّي احتياجات دفن الموتى كتوفير المقابر وتحمل كلفة تجهيز الموتى. ومن هنا، يتضح أن المساهمين في العمل الخيري، سواء كانوا متبرعين أو ناشطين في مجال جمع ونقل التبرعات للمحتاجين، لهم دور فاعل في تنمية المجتمع وسدِّ احتياجاته وتطويره، كما أنهم يعدون ركيزة أساسية في تحقيق الأمن الاجتماعي، فدعونا نقدم لهم التحية والتقدير في مثل هذا اليوم، ودعونا نكرمهم تقديرا لعطائهم وأياديهم البيضاء الممدودة للناس، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله… ودمتم سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري