a close up of a silver watch face

أهمية احتساب الساعات التطوعية

لا يوجد مُجتمع يستغني عن نشاط المتطوِّعين في أيِّ وطر من الأوطار، فالتطوُّع يعكس صورة من صورة التكافل الاجتماعي والتكاتف بَيْنَ أفراد المُجتمع، حيث يبذل المتطوِّع الوقت والجهد والمال لمساعدة الناس ولخدمة المُجتمع، دُونَ مقابل، والجهد التطوُّعي المبذول إمَّا يكون بشكلٍ فردي، فيفزع الفرد لمساعدة الآخرين وتقديم العون لهم عند حاجتهم، أو يقدِّم الفرد خدماته التطوُّعيَّة في شكلِ عمل جماعي تحت مظلَّة منظَّمة أهليَّة كأنْ تكُونَ جمعيَّة أو ناديًّا أو مؤسَّسة غير ربحيَّة.
والواقع أنَّ الجهود التطوُّعيَّة من قِبل المتطوِّعين هي بِدُونِ مقابل مادِّي، ولكنَّ هناك مقابلًا معنويًّا يحصل عليه المتطوِّع كالشعور بالسَّعادة وتقدير الآخرين، كما أنَّ هناك مردودًا عمليًّا ومهنيًّا، فيتمثل المردود المِهني والعَملي، في اكتساب الخبرات في مجالات متنوِّعة، كمجال الإدارة وتنمية القدرة على القيادة، والتعامل مع الناس، والخبرة في مجال الاختصاص كالخبرة في رعاية المعوقين والمُسنِّين، والخبرة في التصوير الفوتوغرافي وغيرها من الخبرات، ناهيك أنَّ التطوُّع مؤشِّر عملي على الإيمان بقِيَم المواطنة، وحُب المُجتمع.
وقد ابتدع المختصُّون في مجال إدارة العمل التطوُّعي مؤشِّرًا لقياس مدى الخبرات المكتسبة من خلال الأنشطة التطوُّعيَّة، حيث يحتسب القائمون على المنظَّمة الأهليَّة عدد السَّاعات التي يقضيها المتطوِّعون في خدمة الناس ومساعدتهم، وذلك من خلال احتساب عدد السَّاعات التي يقضيها المتطوِّعون في المشاركة ببرامج وأنشطة المنظَّمات الأهليَّة، فيقوم الإداريُّون بالمنظَّمة الأهليَّة بتسجيل ساعات الحضور لكُلِّ متطوِّع خلال برنامج معيَّن يوميًّا، وفي نهاية البرنامج يمنح المتطوِّع شهادة تثبت عدد السَّاعات التي قضاها في التطوُّع لخدمة الناس من خلال هذا البرنامج.
ويتَّجه بعض القائمين على إدارة العمل التطوُّعي للتوسُّع في توثيق عدد السَّاعات التطوُّعيَّة لكُلِّ مشارك في أنشطة المنظَّمة الأهليَّة، ويكُونُ ذلك بإنشاء سجلَّات إلكترونيَّة منظَّمة تنشأ فيها ملفات لكُلِّ متطوِّع من المتطوِّعين في المنظَّمة الأهليَّة. تتضمن هذه الملفات بيانات المتطوِّع، ومؤهِّلاته العِلميَّة، ونوعيَّة المواهب والقدرات التي يمتلكها المتطوِّع كأنْ تكُونَ لدَيْه مهارة الرسم، أو الإلقاء، أو القدرة على رعاية المُسنِّين، أو القدرة على تدريس الطلبة، أو مهارة التصوير. كما يتضمن سجلُّ المتطوِّعين أسماء البرامج التطوعيَّة التي شارك فيها المتطوِّع خلال العام، ومجال الخدمات المُجتمعيَّة التي أسْهمَ فيها، كما يتضمن هذا السجلُّ، عدد ساعات العمل التي قضاها في التطوُّع في كُلِّ برنامج شارك فيه، وفي نهاية العام يُجمع عدد السَّاعات التطوُعيَّة التي قدَّمها المتطوِّع لخدمة المُجتمع، ويُمنح المتطوِّع شهادة تبَيْنَ عدد ساعات العمل التي قضاها في التطوُّع خلال عام كامل. ويحصل على هذه الشهادة سنويًّا. وتُعدُّ هذه الشهادات رصدًا وتوثيقًا لعدد السَّاعات التطوُّعيَّة التي أنجزها المتطوِّع من خلال المنظَّمة الأهليَّة.
ويستفيد المتطوِّع من رصد وتوثيق عدد السَّاعات التي قضاها في التطوُّع في عدَّة مجالات نذكر منها: أنَّ بعض المنظَّمات الأهليَّة والجهات ذات العلاقة تكرِّم المتطوِّعين الأكثر إسهامًا في العمل التطوُّعي مستندين لتلك الشهادات التي تُوثِّق عدد السَّاعات التطوُّعيَّة المنجزة، ويكون التكريم في احتفالات علنيَّة، وذلك بهدف تشجيع وتحفيز المتطوِّعين.
تشترط بعض جهات العمل على الموظف أن يقدِّمَ ما يدلُّ على مشاركته في أنشطة تطوُّعيَّة لخدمة المُجتمع، كشرطٍ للترقية في العمل أو للقَبول في الوظيفة، وتُحدِّد تلك الجهات عدد السَّاعات التطوُّعيَّة المطلوبة منه، كما تُحدِّد بعض الجهات نوعيَّة البرامج التطوُّعيَّة التي يجِبُ أن ينخرطَ فيها الموظف، وبالتَّالي فإنَّ الشهادات التي تُوثِّق السَّاعات التطوُّعيَّة للمتطوِّع والتي تمنحها المنظَّمة الأهليَّة، تدعم المتطوِّع وتُشكِّل وثيقة يُمكِن أن يقدِّمها لجهة العمل للحصول على الترقية أو التوظيف. ومن أمثلة الجهات التي تشترط تقديم ساعات تطوُّعيَّة للحصول على الترقية، اشتراط بعض الجامعات أن يقضيَ أستاذ الجامعة ساعات محدَّدة في خدمة المُجتمع كشرط لحصوله على درجة بروفيسور. تشترط بعض القوانين المتعلِّقة بقوانين ديوان الخدمة المدنيَّة أن يقضيَ الموظف ساعات في العمل التطوُّعي ضِمْن متطلَّبات التوظيف، أو الترقية.
كما تشترط بعض المؤسَّسات التعليميَّة على الطالب تقديم ساعات تطوعيَّة كمتطلب للتخرُّج، مِثل بعض المدارس الثانويَّة، وبعض الجامعات. كما تُفضِّل الجهات المانحة للبعثات الدراسيَّة للطلبة، اختيار الطلبة الذين لدَيْهم مستندات تدلُّ على قضائهم لعددٍ من السَّاعات التطوُّعيَّة في خدمة المُجتمع.
والواقع أنَّه من المُهمِّ أن تُنشرَ ثقافة العمل التطوُّعي في المُجتمع وتشجيع الناس على خدمة وطنهم ومُجتمعهم دُونَ مقابل مادِّي، ويُعدُّ توثيق السَّاعات التطوُّعيَّة واحتسابها كمتطلب لمنح شهادة عِلميَّة، أو بعثة دراسيَّة، أو الحصول على وظيفة أو الترقية في الوظيفة من أهمِّ الأساليب التي تُعزِّز ثقافة العمل التطوُّعي، وتشجِّع الناس على خدمة المُجتمع… ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري

المصدر