a close up of a typewriter with a donation sign on it

التطور فـي طرق الترويج لجمع التبرعات لدى المنظمات الأهلية

يُعدُّ التكافل الاجتماعي بَيْنَ أفراد المجتمع سِمة أساسيَّة من سِمات المُجتمعات، حيث يدعم القادر منها غير المقتدر، سواء كان هذا الدعم ماديًّا، أو معنويًّا أو عن طريق تقديم خدمات. وللدعم المادِّي صوَر مختلفة، فإمَّا أن يكونَ من قِبل أفراد يُقدَّم للمحتاجين، ويكون في صورة عبادة كعبادة الزكاة أو الصدقة أو النُّذور أو الكفَّارات أو الفِدْية، أو بدوافع مساندة الأهل والأقارب والأصدقاء والأحبَّة، أو بدافع التعاطف مع المحتاجين والمتضررين من الكوارث الطبيعيَّة أو التي كانت بسبب البَشر كالحروب. وقد تكون من قِبل الشركات والمؤسَّسات والمصارف، وهي إمَّا تكون أداء للعبادة كالزكاة، أو تكون بدافع الالتزام بالمسؤوليَّة الاجتماعيَّة، أو تحقيق النفع العامِّ للمُجتمع، أو من باب الدعاية والإعلان للمؤسَّسة أو من باب تبادل المصالح مع بعض الأطراف، وتستهدف هذه التبرُّعات بجميع أنواعها الإنسان والأُسرة، فهي إمَّا تُقدَّم بشكلٍ مباشر للمحتاجين أو يكون من خلال منظَّمة أهليَّة. والواقع أنَّ المنظَّمة الأهليَّة تسعى لاستقطاب تبرُّعات المتبرِّعين وإقناعهم وتحفيزهم على التبرُّع بطُرق مختلفة، كالتواصل المباشر مع المقتدرين لتقديم تبرُّعاتهم للمنظَّمة الأهليَّة، أو إقامة الفعاليَّات والأنشطة من معارض وأسواق خيريَّة وحلقات عمل والاستفادة من ريع هذه الفعاليَّات لدعم أنشطة الجمعيَّة، وتعتمد في تشجيع المتبرِّعين على التنوُّع في طُرق الترويج وإقناعهم لدفع المبالغ لصالح العمل الخيري والتطوُّعي، ثمَّ تقوم المنظَّمة الأهليَّة بتوصيل هذه المساعدة والتبرُّع للمستحقِّين. وقد تنوَّعت طُرق الترويج لجمع التبرُّعات خلال هذا القرن متأثرة بالظروف المحيطة بالمنظَّمات الأهليَّة. ففي نهاية الستينيَّات من القرن التاسع عشر، كانت تعتمد المنظَّمات الأهليَّة على التواصل المباشر من قِبل أعضاء المنظَّمة الأهليَّة مع المقتدرين. فعلى سبيل المثال، نشط الهلال الأحمر والصليب الأحمر في هذه المرحلة للترويج لجمع التبرُّعات، حيث كانوا يعتمدون على اجتماعات تعقد من قِبل أعضاء الجمعيَّة مع المقتدرين لإقناعهم بأهمِّية مساعدة الناس، وإثارة المشاعر الإنسانيَّة لدَيْهم، كما ظهر في هذه المرحلة أسلوب تنظيم الحفلات الاجتماعيَّة والترفيهيَّة للمقتدرين في الأندية الاجتماعيَّة في بعض الدول، ويكون حضور الحفل مقابل مبالغ ورسوم عالية، ليكُونَ ريعها لصالح أنشطة المنظَّمة الأهليَّة، وكثيرًا ما تُقام مزادات لبيع صوَر أو لوحات فنيَّة أو تحف، لتشجيع المتبرِّعين على تقديم المزيد من التبرُّعات، ويستفاد من قِيمة بيع هذه اللوحات لصالح أنشطة المنظَّمات الأهليَّة. وفي الغالب فإنَّ الترويج لعمليَّة التبرُّع تكون لدعم أنشطة الجمعيَّة بصورة عامَّة والتي بِدَوْرها يكون لها نشاط إنساني. وفي بدايات الثمانينيَّات من القرن التاسع العشر، ازداد عدد المنظَّمات الأهليَّة، وتنوَّعت أهدافها وأغراضها، فبالإضافة لجمعيَّات الهلال الأحمر والصليب الأحمر ظهرت منظَّمات أخرى مِثل الجمعيَّات الدينيَّة بأنواعها، وجمعيَّات النشاط الاجتماعي والإنساني، وجمعيَّات النفع العامِّ، والجمعيَّات النسائيَّة، وجمعيَّات رعاية المعوقين، ورعاية المُسنِّين، وغيرها، فازدادت المنافسة بَيْنَ المنظَّمات الأهليَّة لاستقطاب تبرُّعات المُتبرِّعين، لذا استحدثت المنظَّمات الأهليَّة سُبلًا أخرى لجمع التبرُّعات، حيث تقوم بالإعلان عن مشروع إنساني مُحدَّد ولا تكتفي بالترويج لدعم المنظَّمة الأهليَّة بصورة عامَّة، مِثل مشروع إفطار صائم، أو الحقيبة المدرسيَّة، أو مشروع ترميم المساكن. أو توفير سماعات الأذن للصُّم أو توفير الكراسي المتحرِّكة، واتَّسمت هذه الفترة بالاعتماد على المطبوعات، حيث سهَّلت عمليَّة الطباعة، خصوصًا الملوَّنة منها، فظهرت في هذه المرحلة المطابع التجاريَّة ورخصت أسعارها لِتكونَ في متناول الجميع، فاستعانت تلك المنظَّمات بتلك المطابع لطباعة الإعلانات الترويجيَّة لأنشطتها مِثل الملصقات الجداريَّة، وإعلانات الشوارع، والكتيِّبات والمجلَّات التي تتضمن معلومات عن مشاريع المنظَّمة الأهليَّة وتبَيْنَ مدى استفادة الناس منها، بهدف تحفيز المُتبرِّعين وكسب ثقتهم لتقديم التبرُّعات. كما ظهر في هذه المرحلة وسائل الإعلام مِثل الإذاعة والتلفزيون، فاستفادت من تلك الوسائل للترويج لتقديم التبرُّعات للمنظَّمات الأهليَّة عن طريق المقابلات التلفزيونيَّة أو الإعلانات لجمع التبرُّعات، أو حملات جمع التبرُّعات التي تُبث في الإذاعة والتلفزيون كما استعانت بالصحف للمساعدة في الترويج.
وفي بداية القرن الحالي ظهرت طُرق أخرى للترويج لجمع التبرُّعات بالترويج بوصف حالة إنسانيَّة معيَّنة مِثل حملة جمع تبرُّعات لمساعدة لجمع تكلفة علاج شخص معيَّن مُصاب بمرض عضال مِثل السرطان، أو دفع قِيمة دَيْن لإنقاذ ربِّ أُسرة من عقوبة السجن. وظهر في هذه المرحلة، جمع التبرُّعات عن طريق الوسائل الإلكترونيَّة، حيث ظهرت منصَّات التبرُّعات بأنواعها، والدفع عن طريق البطاقات البنكيَّة، وعن طريق البنفت وغيرها. ويتمُّ الترويج لجمع التبرُّعات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي بالأفراد أو بالمؤسَّسات وهذا التطوُّر في وسائل التواصل والإعلام الاجتماعي، وفي وسائل الدفع الإلكتروني سهَّل عمليَّة جمع التبرُّعات والترويج لها. وعمومًا فإنَّ طُرق الترويج لجمع التبرُّعات من قِبل المنظَّمات الأهليَّة تتأثر بشكلٍ مباشر بالظروف الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، والتطوُّر في التكنولوجيا الموجودة في المُجتمع، وإنَّنا لنتوقع التطوير في الترويج لعمليَّة جمع التبرُّعات مستقبلًا نتيجة التأثر الاستفادة من الذَّكاء الاصطناعي… ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري

المصدر