You are currently viewing المتطوع الغافل

المتطوع الغافل

ما رأيك فيمن يلتزم بأداء صلاة السنن ويترك الفرائض؟! أتراه يطلب الأجر والثواب بذلك؟!
ما رأيك فيمن يصوم النوافل فيصوم الليالي البيض، ويصوم يومي الاثنين والخميس ويتجاهل صيام شهر رمضان؟ أتراه يرجو رضا الرحمن بهذا الفعل؟!
فما رأيك ممن ينفق أمواله على الفقراء ومساعدة الأصدقاء، ويقصر في النفقة على أهله؟! أتراه آثما بهذا الفعل؟!
وما رأيك فيمن يرعى شؤون الناس ويقضي حوائجهم ويخدمهم تطوعا، ويتجاهل رعاية والديه وزوجته وأبنائه وإخوته وكل من يدخل في دائرة مسؤولياته، فكلنا راعٍ وكلنا مسؤولون عن رعيتنا؟ أترى أن هذا الحال يقبله عاقل؟!
ما أعجب هذا المتطوع الغافل، تجده ينشط في خدمة الناس والمجتمع، وينشغل بالحملات التطوعية، وبرامج الجمعيات التي يلتحق بها، وهو يهب لمساعد المحتاجين، ويفزع لتقديم العون لأصدقائه وزملائه في العمل، كل ذلك من باب إيمانه بالتطوع وأهمية وقضاء حوائج الناس، فهو يحرص على مساعدة الجميع إلا أهله وأقرب الناس إليه، يا له من متطوع غافل عن معنى التطوع، فعندما يطلب منه والداه خدمة أو مساعدة يتعلل بكثرة مشاغله، والمفارقة أنه قد يتعلل بمشاغله في العمل التطوعي، وتجده يحيل هذه المهمة إلى أحد إخوته، وعندما يطلب منه أحد أبنائه المساعدة كأن يشرح له درسا، أو يساعده في تنفيذ أحد الواجبات الذي طلبه منه المعلم، أو أن يوصله إلى بيت صديقة فالجواب المعروف اذهب لأمك واطلب منها ما تشاء. أما زوجته فالويل لها إذا ما طلبت منه خدمة ما أو أن يقضي حاجة لأسرتهما، فيصرخ في وجهها ويصب عليها الاتهامات بأنها زوجة لا تقدر مشاغله، ولا تعرف كيف تحسن التبعل، ولا تحسن معاملة زوجها، ويتهمها بعدم قدرتها على تحمل المسؤولية، فتجده يدخل بيته شأنه شأن ضيف غريب لا يعلم بشؤون منزله!!! وفي الوقت نفسه تجده مجرد أن يستلم اتصالا هاتفيا من أحد أصدقائه طالبا منه خدمة معيَّنة كأن يوصله لورشة تصليح السيارات (الكراج) لاستلام سيارته أو يساعده في تخليص معاملة حكومية، تجده يترك كل ما في يديه من أعمال ويهب كما يهب البطل لإنقاذ الغريق، ثم تجده يتحدث عن مساعدته لهذا الصديق كحديث البطل عن بطولاته. وإذا ما طرحت جمعية ما برنامجا تطوعيا تجده على رأس قائمة المتطوعين، وتجده يجتهد بكل حماس لمساعدة الناس، فيسعى لتقديم العون للجميع بكل همة ونشاط. إنها لمفارقة وأية مفارقة، أيحرص على مساعدة الناس وينسى مساعدة أهله، على الرغم من أن مساعدة أهله واجب من واجابته الأساسية، أما مساعدة الناس فهي أمر غير ملزم له؟ أيحرص على مساعدة الناس ويعزف عن مساعدة أهله، متجاهلا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته))؟ لعمري إنه لتناقض وأي تناقض، أتراه يقصد بفعله هذا رضا الله أم رضا الناس؟!! لست أدري!! لماذا يحب مساعدة الغرباء ويتأفف من مساعدة أهله وأقاربه؟ فقد يكون الجواب أن في مساعدة الناس والعمل التطوعي يحصل على المديح والثناء، ويرتوي بنظرات إعجاب الناس وتقديرهم، ولا ينال كل هذا عند خدمة أفراد أسرته!! الله أعلم بالنيات!!
ومهما حللنا ذاك السلوك الغريب لهذا المتطوع، ومهما تكهنا من أسباب لهذه التصرفات، ومهمها عللنا وقارنا، يبقى لنا موضوع واحد يجب أن نقر به جميعا، وهو أن هذا المتطوع غافل عن المفهوم الحقيقي للتطوع وقيمه ومبادئه، وهو بلا شك يحتاج لإعادة صياغة قناعاته، وتغير المفاهيم التي يؤمن بها، وعليه أن يعيد النظر في كل ما حوله، فعليه أن يؤمن بالقاعدة الأساسية في التعامل الاجتماعي وهي ((الأقربون أولى بالمعروف))، ولا يقصد بالمعروف هنا الصدقة فقط، بل جميع أنواع المساعدة للآخرين. وعليه أن يعلم أن العمل التطوعي يبدأ بالتطوع للأقربين، وهنا أوجه نداء للقادة في ساحة العمل التطوعي فعليهم إذا ما لاحظوا هذا السلوك لدى أحد المتطوعين أن يقدموا له الإرشاد الأسري والنصح، كما عليهم أن يركزوا على تقديم النصح للمتطوعين وتنبيههم بشكل مستمر بألا يهملوا واجباتهم الأسرية مقابل تقديم الخدمات التطوعية، فذلك ليس من قِيَم التطوع وليس من أخلاق المتطوعين… ودمتم أبناء قومي سالمين.