للعمل الخيري دَوْر كبير في تحقيق التَّكافل الاجتماعي، فهو تبرُّع يُقدِّمه المقتدر لمساعدةِ المحتاج. وعادةً ما يكُونُ هناك ناشطون في العمل الخيري، حيث يقومون بِدَوْر الوسطاء لنقْلِ المال من المقتدرين إلى المحتاجين، وقد يكُونُ هؤلاء الوسطاء جمعيَّات أو صناديق خيريَّة، أو قد يكُونُونَ أفرادًا مُتطوِّعين، وتكُونُ مُهِمَّتهم تحفيز المقتدرين على تقديم التبرُّعات فيقومون بجمعِ هذه التبرُّعات من مجموعة من المتبرِّعين، كما يقومون بدراسةِ أحوال المحتاجين المستحقِّين للمساعدة، وتحديد أسمائهم وجميع بياناتهم ودراسة نَوْع احتياجاتهم، وهو ما يُسمَّى بالبحثِ الاجتماعي، حيث يقومون بإعداد تقريرٍ لبحثٍ اجتماعي حَوْلَ كُلِّ حالةٍ على حِدة. ومن مهامِّ الباحثين الاجتماعيِّين في العمل الخيري هو تحديد أولويَّات احتياجات المُجتمع ليوَجِّهوا التبرُّعات لسدِّ هذه الاحتياجات لأهميَّتها، ولَهُم مقابل هذا الجهد الأجْرُ والثَّواب في الآخرة، كما يحصل البعض على مكافآت مقابل هذا العمل الخيري. وتتنوَّع التبرُّعات الَّتي يجمعها النَّاشطون في العمل الخيري، فقد تكُونُ هذه التبرُّعات نقديَّة، أو تكُونُ عَيْنيَّة كالطَّعام، والملابس، والأدوات المدرسيَّة، والأثاث وغيرها من الاحتياجات، وقد يدفع المتبرِّع كلفة بعض الخدمات مِثل أن يدفعَ كلفة الحجِّ أو العمرة لأحَدِ المحتاجين، أو كلفة التَّعليم، أو كلفة العلاج. وقد جرتِ العادة أن تكُونَ التبرُّعات مادِّيَّة فقط، إلَّا أنَّه ظهر في العصر الحديث فكرة التبرُّع بالخدمة.
فقَدِ استوقفتني إحدى الممارسات في العمل الخيري في إحدى الدوَل الغربيَّة بأن يقوموا بجمعِ التبرُّعات، ولكنَّ هذه التبرُّعات ليست مادِّيَّة؛ فلا نقود ولا أشياء عَيْنيَّة، إنَّما هي خدمات مجَّانيَّة تُقدَّم للمحتاجين، حيث يُنشأ موقع رقمي كأن يكُونَ تطبيقًا إلكترونيًّا أو إنستجرام أو موقعًا إلكترونيًّا، يُطرح من خلاله التبرُّعات، وهذه التبرُّعات عبارة عن خدمات يُقدِّمها المتبرِّعون بالجهد والخبرة والمهارة، تُقدَّم لِمَن يحتاجها.. فعلى سبيل المثال: يَعرض أحَدُهم رغبتَه في التبرُّع بصباغة غُرفِ منزلٍ أو مدرسة، ويُحدِّد فيه المتبرِّع بهذه الخدمة الأيَّام الَّتي يُمكِن أن يُقدِّمَ فيها الخدمة وعددَ السَّاعات الَّتي يعمل فيها، كأن يقولَ: يُمكِنني صباغة غُرف لمنزلٍ في يوم السبت والأحد مع تحديد التَّاريخ، ولمدَّةِ عشر ساعات فقط، كما يُحدِّد المساحة الَّتي سيقوم بطلائها، ويُحدِّد على الموقع الاحتياجات الَّتي يجِبُ توفيرها كأن يقولَ: سأتكفَّلُ بتوفيرِ أدوات الصِّباغة، ويجِبُ على المستفيد من التبرُّع أن يوفِّرَ الأصباغ والسَّلالم، ووجبة غداء، وزجاجة ماء للشُّرب، كما يُحدِّد المتبرِّع المناطق الَّتي يُمكِن أن يعملَ فيها، وهي ـ بطبيعة الحال ـ الَّتي تكُونُ قريبةً من منطقة سكَنِه، وتُقدَّم هذه المعلومات من خلال استمارة معلومات يملؤها المتبرِّع بنَوْعِ الخدمة الَّتي سيُقدِّمها وجميع المعلومات عَنْها، ونَوْع الطَّلبات الَّتي يحتاجُها. وفي حالة قَبول شخصٍ محتاج لهذه الخدمة يُبرَم اتِّفاق بَيْنَ الطَّرفَيْنِ بحسب محتوى هذه الاستمارة تُعبِّر عن رضا الطَّرفَيْنِ، وإذا ما تمَّتِ الخدمة يحصلُ المتبرِّع على شهادة تقدير إلكترونيَّة أو نقاطًا من إدارة الموقع الإلكترونيَّة. وتتنوَّع الخدمات الَّتي يُقدِّمها النَّاس للمُحتاجِين بحسب مجالِ اختصاص المتبرِّعين ومهارتهم وإمكاناتهم كأن يتكفَّلَ طبيب في مستشفاه الخاصِّ لإجراء عمليَّات مُعيَّنة يُحدِّدها مع تحديد التَّوقيت، أو أن يتبرَّعَ أحَدُهم لحلاقةِ وتزيينِ المُسنِّين أو يتبرَّع أحَدُهم بتنسيقِ أو زراعةِ حديقةٍ عامَّة في أحَد الأحياء، أو أن يتبرَّعَ أحَدُهم بتصليحِ أجهزةِ حاسوب، أو يتبرَّعَ أحَدُهم بزيارةِ المَرضَى لمواساتهم وتسليتهم، أو جلسات علاج طبيعي مجَّانيَّة لأحَدِ المُعوّقين، أو التَّدريب على بعض المِهن وغيرها من الخدمات.
وتُقدَّم هذه الخدمات للنَّاس من خلال جهات متنوِّعة، فقد تُقدَّم الخدمات لأُسرٍ محتاجة بشكلٍ مباشر، أو لمجموعةٍ من الشَّباب الَّذين يحتاجون لتدريبٍ على مِهنة مُعيَّنة، أو لمؤسَّسات القِطاع العامِّ والقِطاع الخاصِّ مِثل المستشفيات والمدارس والحدائق العامَّة والجامعات الخاصَّة أو مراكز الإعاقة الخاصَّة أو المستشفيات وغيرها من أماكن تقديم الخدمات للنَّاس. وأرى أنَّ هذه التجربة قريبة من وقفِ الوقت والَّذي طُرح في العصر الحديث، فالإنسان يتبرَّع بوقتِه وجهدِه وخبرتِه ومهاراتِه لخدمةِ النَّاس والمُجتمع، وفي تقديري أنَّها من الممارسات الإيجابيَّة وتُشكِّل صورةً من صوَر العمل التطوُّعي ولكن ضِمن منظومة جديدة.. وعمومًا فالسَّعيُ لفعلِ الخير فضيلة، والسَّعيُ لتنظيمِ فعلِ الخير وتيسيره للنَّاس من الأعمال المحمودة أيضًا… ودُمْتُم أبناء قومي سالِمِين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري