في الأسبوع الماضي نُشر لنَا مقال في هذه الجريدة الغرَّاء (الوطن العُمانيَّة) بعنوان (أسباب النزاع بَيْنَ أعضاء الجمعيَّات وطُرق الوقاية مِنْها)، وذلك يوم الأحد الموافق العاشر من ديسمبر 2023 العدد رقم (14162) السنة 53، حيث تطرَّقنا في المقال إلى بعض أسباب النزاع بَيْنَ المتطوِّعين في الجمعيَّات وهي: المنافسة للوصول لمناصب في مجالس الإدارة، واعتراض بعض الأعضاء على بعض قرارات مجلس الإدارة، وسوء استغلال أموال الجمعيَّة من قِبل بعض أعضاء مجلس الإدارة، وظهور بعض الظواهر السلبيَّة بالجمعيَّة مِثل ظاهرة الشلليَّة، ومحاباة الأقارب، وعدم الحماية الفكريَّة لمقترحات الأعضاء ومصادرة جهودهم، وعدم الانسجام بَيْنَ الأعضاء، وظهور الخلافات الفكريَّة والأيديولوجيَّة بَيْنَ الأعضاء. كما اختتمنا المقال بذكر أهمِّ التدابير الَّتي يجِبُ أن تتخذَها الجمعيَّة للوقاية من هذه الخلافات، إلَّا أنَّنا استلمنا ملاحظات من بعض القرَّاء يطلبون المزيد من التفصيل في بيان التدابير الَّتي تجنِّب المتطوِّعين بالجمعيَّات النزاع والخلافات، لذا فقَدْ خصَّصنا هذا المقال بناءً على طلب القرَّاء لمزيدٍ من التفصيل حَوْلَ هذه التدابير.
في تقديري إنَّ من أهمِّ التدابير الَّتي تقي الجمعيَّة من النزاعات بَيْنَ أعضائها وجود أنظمة ولوائح داخليَّة تنظِّم إجراءات العمل بالجمعيَّة بحيث تعمل الجمعيَّة وفق نظام مؤسَّسي رصين، كما أنَّ التزام الجمعيَّة بمبادئ الحوكمة يجعل بيئة العمل في الجمعيَّة مهنيَّة وحياديَّة، وتجنِّب أعضاءها الخلافات. ومن المُهمِّ إدراج إجراءات العمل هذه في لوائح الجمعيَّة وتقرُّ هذه اللوائح من قِبل الجمعيَّة العموميَّة لِتكُونَ ملزمةً لجميع أعضاء مجالس إدارة الجمعيَّة على اختلاف وتعاقب الأعضاء على عضويَّة هذه المجالس، ومن أهمِّ هذه الإجراءات الَّتي يُمكِن أن تدرجَ في لوائح الجمعيَّة:
• أن ينصَّ النِّظام الأساسي على عدم جواز ترشُّح عضو الجمعيَّة لمجلس الإدارة لأكثر من دَوْرتَيْنِ متتاليتَيْنِ. وذلك تجنُّبًا لسيطرة عناصر معيَّنة على الجمعيَّة لفترة طويلة، وإعطاء المجال لباقي الأعضاء للترشُّح، وضمانًا لتدوير السُّلطة دار الجمعيَّة.
• إدراج عبارة في اللائحة الداخليَّة للجمعيَّة تدلُّ على أنَّه لا يجوز ترشُّح أقارب من الدرجة الأولى لمجلس الإدارة مُجتمعين، كما لا يجوز توظيف أقارب أعضاء مجلس الإدارة من الدرجة الأولى.
• تحديد مواصفات العضويَّة العاملة بالجمعيَّة بوضوح كتحديد العمر، والجنسيَّة، والخبرات السَّابقة، والتخصُّص إن لزم، وغيرها من الاشتراطات.
• إنشاء لجان رقابة داخليَّة، وتحديد عدد مرَّات اطِّلاعها على سجلَّات مجلس الإدارة.
• إدراج قائمة السجلَّات الرئيسة الَّتي يجِبُ أن يحتفظَ بها مجلس الإدارة، كما عَلَيْه أن يحدِّثَ المعلومات الواردة بها مِثل: سجلِّ العضويَّة، سجلِّ الإيرادات، وأسماء المتبرِّعين، سجلِّ الخطَّة الاستراتيجيَّة، سجلِّ الخطط التنفيذيَّة.
• بيان الهيكليَّة التنظيميَّة للجمعيَّة بوضوح.
• وضع آليَّة مُحدَّدة وواضحة لتقدير جهود الأعضاء كتحديد مواطن تكريم الأعضاء والمتطوِّعين وكيفيَّته مِثل: (تكريم جميع أعضاء مجلس الإدارة بعد إبراء ذمَّتهم الماليَّة والإداريَّة والقانونيَّة من قِبل الجمعيَّة العموميَّة، تكريم أعضاء اللجان نهاية كُلِّ عامٍ أو في يوم العمل التطوُّعي السنوي، تكريم المتطوِّعين نهاية كُلِّ برنامج، كما يحدِّد نوع التكريم وطبيعته والميزانيَّة المرصودة له).
• بيان موعد تسليم إقرار مجلس الإدارة للخطَّة السنويَّة لأنشطة وبرامج الجمعيَّة، وإلزام مجلس الإدارة بتقديم خطَّة استراتيجيَّة كُلَّ ثلاث أو خمس سنوات وينصُّ في اللائحة على عدد سنوات الخطَّة الاستراتيجيَّة.
• أن تنصَّ اللائحة التنظيميَّة على إنشاء لجان تقييم ذاتي بالجمعيَّة تتولَّى تقييم أداء وكفاءة مجلس الإدارة وتعرض نتائج التقييم على الجمعيَّة العموميَّة قَبل إبراء ذمَّة مجلس الإدارة.
إنَّ بيان التدابير والإجراءات في اللوائح الداخليَّة للجمعيَّة، وإلزام الجميع بها يقلِّل من العوامل الَّتي تؤدِّي إلى النزاع بَيْنَ المتطوِّعين؛ كون أنَّ العمل بالجمعيَّة يقترب أكثر للعمل المؤسَّسي، ويلتزم بمبادئ الحوكمة، ولا يكتفى ـ بطبيعة الحال ـ بالالتزام بما يرد في اللوائح الداخليَّة للجمعيَّة، بل يجِبُ الالتزام بما يرد في النِّظام الأساسي للجمعيَّة، وعمومًا فإنَّه من خلال خبرتنا الطويلة في مجال الإشراف على أداء المنظَّمات الأهليَّة فإنَّه يُمكِن تخفيف النزاع بَيْنَ الأعضاء الجمعيَّات، ولكن لا يُمكِن أن نتوقعَ عدم وجود أيِّ خلافات بَيْنَ المتطوِّعين، فتلك سنَّة الحياة في التعامل بَيْنَ البَشَر… ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري