للعمل التطوُّعي أهميَّة كبيرة في المُجتمع، فتطوع النَّاس لخدمة بعضهم بعضًا له الأثر الكبير على المُجتمع، فهو يحقق الأمن الاجتماعي، كما يحقق التماسك والترابط ويعزز قيم التراحم بَيْنَ النَّاس، فالعمل التطوُّعي يعني تقديم الخدمة والدعم والمساندة للآخرين بدون مقابل، وممَّا لا شك فيه فإنَّ المُجتمع الَّذي تتعزز فيه ثقافة العمل التطوُّعي ومساعدة النَّاس لبعضهم البعض يتصف بالاستقرار والترابط، كما تتعزز فيه قِيَم التعاون والتكاتف في صور مختلفة، والتطوُّع نوعان: فقد يكُونُ عملًا فرديًّا أو جماعيًّا، وأقصد بالتطوُّع الفردي هو نشاط اجتماعي يبادر به الفرد مختارًا غير مُكْره لتقديم خدمة للنَّاس أو المُجتمع، دون التطلع لأي مردود مادي. أمَّا التطوُّع الجماعي فهو نشاط اجتماعي يبادر به مجموعة من النَّاس حيث يتعاونون على مساعدة النَّاس بتقديم خدمات اجتماعيَّة وإنسانيَّة محددة للنَّاس وللمُجتمع، بدون مقابل مادي، ويجمع هذه المجموعة من النَّاس هدف مشترك، فيشكِّلون بذلك تجمُّعًا يتصف بالتخطيط والتنظيم لتحقيق أهدافهم الإنسانيَّة من خلال تقديم برامج ومبادرات وأنشطة إمَّا قصيرة أو طويلة المدى.
ونناقش في هذا المقام التطوُّع الجماعي، ويقصد به أن يتعاونَ مجموعة من المتطوِّعين لخدمة النَّاس والمُجتمع لتنفيذ مشروع ما، وهذه المجموعات يجِبُ أن ترخصَ من قِبل الجهات المختصَّة استنادًا لقانون ينظِّم العمل الجماعي، والَّذي عادةً ما يكُونُ هو قانون الجمعيَّات، وهذا الترخيص قد يكُونُ لتشكيل منظمة أهليَّة تمنح هذه التجمع الصفة الاعتباريَّة ليصبح له كيان قانوني، ويتصف بالاستدامة، ولا ينتهي هذا الكيان القانوني إلا بقرار الحل والتصفيَّة، وقد يمنح الترخيص لمجموعة متطوِّعين لمزاولة نشاط ما لمدة محددة، ولغرض مُحدَّد مثل: المبادرات، واللجان المؤقتة الَّتي تنشأ لتنفيذ مشاريع تطوعيَّة لظروف خاصَّة مثل الفرق التطوُّعيَّة الَّتي أنشأت في فترة انتشار جائحة كورونا، أو مجموعات الأنشطة الصيفيَّة وغيرها. وفي مِثل هذه الحالات لا تمنح المجموعة المرخصة الصفة الاعتباريَّة، بل يكتفي بالترخيص الإداري من الجهة المختصَّة.
وبغضِّ النَّظر عن نَوْع الترخيص الَّذي حصلت عَلَيْه المجموعة التطوُّعيَّة، فإنَّ العمل لتنفيذ أنشطة تطوعيَّة في مجموعات له بعض المميزات وله بعض السلبيَّات، فمن مميزاته أنَّ العمل التطوُّعي الجماعي المنظَّم يساعد على تنفيذ مشاريع تطوعيَّة كبيرة تحقق المزيد من الخدمات للمُجتمع، كإنشاء مراكز الإيواء، ودور الرعايَّة، والبرامج التدريبيَّة للأُسر المنتِجة، فمِثل هذه الأنشطة الَّتي تتطلب جهودًا تطوعيَّة متنوعة ومستمرة تستوجب العمل التطوُّعي الجماعي المنظَّم ليتحوَّل هذا العمل إلى عمل مؤسَّسي متكامل، كما أنَّ العمل التطوُّعي الجماعي يتَّسم بالقدرة على استثمار مواهب وخبرات مختلفة للمتطوِّعين والاستفادة مِنْها لتنفيذ مشروع واحد، فعلى سبيل المثال فإنَّ ترميم منزل لأُسرة فقيرة يتطلب خبرات مختلفة مثل الخبرة في التصميم الداخلي، مهارات النجارة، ومهارات طلاء الجدران والرسم عَلَيْها، وغيرها من المهارات ففي مثل هذه الحالة يستحيل الاعتماد على العمل التطوُّعي الفردي.
إلا أنه من خلال التجارب والممارسات يتبين أنَّ هناك العديد من الإشكاليَّات الَّتي تواجه العمل التطوُّعي في مجموعات، حيث تظهر بعض الخلافات بَيْنَ أعضاء المجموعات، الأمر الَّذي يتطلب إدارة هذا النزاع وإقامة الصلح بَيْنَ الأطراف المتنازعة، ونرى أن عددًا محدودًا من أعضاء الفريق يقوم بإنجاز المهام، أما الباقي فلا ينجزون الأعمال الموكلة لهم، كما قد ينسحب بعض أعضاء الفريق خلال فترة العمل، الأمر الَّذي قد يضر بالمصلحة، وقد ينتهز بعض أعضاء الفريق، العمل لتحقيق المكاسب مثل الظهور الاجتماعي والإعلامي، بعض المكاسب الماديَّة، الاستفادة من بعض الخدمات. والواقع أن مثل هذه الإشكالات يجِبُ تجنبها كي لا تؤثر سلبًا على مصلحة العمل وذلك باتخاذ بعض الإجراءات والتدابير أهمها: إعطاء أعضاء الفريق صورة واضحة حول المشروع الَّذي يعمل الفريق التطوُّعي على تنفيذه بتوضيح أهداف المشروع، والاطلاع على خطة العمل، وموازناته ،كما أنه من الضروري إحسان توزيع المهام بَيْنَ أعضاء الفريق، والعدالة في منح المكافآت وأساليب التشجيع كالهدايا، والظهور الإعلامي وغيرها، ومن الضروري رفع معنويات أعضاء الفريق التطوُّعي، ويجِبُ مراعاة وضوح حقوق وواجبات كل عضو من أعضاء الفريق منذ بدايَّة العمل في المشروع التطوُّعي. وعموما فإن نجاح العمل التطوُّعي الجماعي مرهون بكفاءة المتطوِّعين الَّذين يقودون هذا الفريق القياديَّة وحسن إدارتهم للعمل.
والواقع أنَّ أي مُجتمع لا يستغني عن العمل التطوُّعي، سواء كان فرديًّا أو جماعيًّا، فهما جناحان لطير واحد يتعذر التحليق بدون أحدهما… ودُمْتُم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري