You are currently viewing نحو عمل خيري فعال

نحو عمل خيري فعال

للعمل الخيري أهمية كبيرة في المجتمع، فهو صورة من صور التكافل الاجتماعي والتكاتف بين الناس لا سيما عند الأزمات. ويقصد بالعمل الخيري هو تبرع أو نشاط يقوم به الإنسان المقتدر لتقديم العون والمساعدة للمحتاجين، سواء في شكل مساعدات عينية كتوفير المأكل والملبس، والمسكن، والأدوية، أو في شكل مساعدات نقدية بتوفير المال للمحتاجين، وقد يكون في شكل خدمات يقدمه المتطوعون كترميم المنازل، وتصليح الأجهزة، ومساعدة المرضى في المستشفيات. وقد حثت الأديان السماوية بأسرها على العمل الخيري والتبرع للمحتاجين، بل جعلت التبرع بالمال عبادة يؤجر الإنسان عليها، وجعلت بعضها فرضا فيعاقب على عدم التبرع. وقد نظَّم ديننا الإسلامي الحنيف عمليات التبرع في صور مختلفة، فجعل منها فرضا وجعل البعض مستحبا، ففرض الله الزكاة على المقتدرين لمساعدة المحتاجين وفق معايير معيَّنة، وحثَّ على الصدقة وهي تبرع طوعي من المقتدر للمحتاج. ومن صور التبرع كفارة اليمين، وأضحية عيد الأضحى، وزكاة الفطر وهي صاع من الأرز أو من قوت أهل القوم عن كل فرد من أفراد الأسرة. ومن صور التبرع الدائمة الوقف الخيري بأن يحبس بأصل العين ويتبرع بالمنعة، وغيرها من صور التبرعات.
وفي معظم الأحيان يكون هناك وسيط بين المتبرع وبين المحتاج فينقل هذا الوسيط التبرعات من المقتدرين ليعطيها المحتاجين، ويحق له أن يأخذ لنفسه بعضا من المال نظير جهده بنسبة تحددها التشريعات والقوانين، وهذا الوسيط إما يكون شخصية اعتبارية كالجمعيات الخيرية والمبرات والصناديق، أو يكون شخصية طبيعية؛ أي يكون الوسيط فردا، فيقوم الوسيط بالتعرف على المحتاجين ودراسة حالة الأسرة دراسة اجتماعية للتعرف على مدى حاجتهم ونوعية الاحتياجات التي تحتاجها الأسرة كالحاجة للتعليم، أو للعلاج، أو لرعاية مُسنٍّ أو مُعوَّق، كما يقوم بجمع التبرعات في حساب بنكي واحد ويعيد توزيعه حسب تقديره لاحتياجات كل أسرة، وهذا الدور التطوعي هو يُعد من أعمال الخير الذي يُؤجر عليه المسلم.
إلا أن منح الأسر المحتاجة التبرعات بشكل مباشر، وعدم تشجيعها على بذل الجهد لتحسين مستوى دخلها، يجعل الأسر الفقيرة متكلة على الإعانات، فلا يتشجع أفراد الأسرة على العمل لتطوير أحوالها المعيشية، ويتعود أفراد الأسرة على الاتكالية، فهم دائما يتوقعون الحصول على التبرعات ويكتفون بها، وبذلك تكون بعض الأسر عالة على المجتمع ولا يسهم أفرادها في عملية التنمية، وهنا ظهر ناشطون في مجال العمل الخيري يدعون لتغيير هذا النهج في توزيع التبرعات، والتركيز على دعم الأسر وتشجيعها على الإنتاج لنقلها من العوز إلى الاستغناء، وفيما يلي أمثلة على هذه التدابير:
1. تقديم الدعم للأسر عن طريق تشجيعهم ومساندتهم للإنتاج المنزلي، فيتعاون أفراد الأسرة على إنتاج بعض السلع مثل صناعة المخللات، وخياطة الملابس، وصناعة العلب الخشبية وغيرها من المنتجات، ثم يقومون بتسويق وببيع هذه المنتجات فيحصلون على الربح الوفير. وهذا العمل يشكل مصدر دخل للأسرة، ويتم توفير أدوات هذه الحرف والمواد المطلوبة من أموال التبرعات كتوفير الأفران، ومكائن الخياطة، وأدوات النجارة، بل وربما مواد التصنيع مثل: الأقمشة، وزجاجات حفظ المخللات، والخشب والمسامير.
2. شراء وتوفير أدوات المهن والحرف كشراء سيارة للعمل في مجال نقل الركاب، وتوفير سفن الصيد، وأجهزة الحاسوب، بل وحتى تجهيز ورش العمل والعيادات الطبية من الأدوات اللازمة في العمل، وتجهيز ورش النجارة وورش تصليح السيارات.
3. دفع رسوم الدراسة لمساعدة أبناء الأسر على الحصول على مؤهلات علمية، تزيد من فرص حصولهم على وظائف.
4. دعم أفراد الأسرة لتدريبهم على حرفة معيَّنة ليتمكنوا من العمل في هذه الحرفة فتكون مصدر دخل للأسرة.
5. دعم الأسرة لتوفير استثمار لها. فعلى سبيل المثال، تمتلك بعض الأسر مسكنا في موقع استثماري، فيمكن للناشطين في العمل الخيري بناء محل تجاري، أو شقق تصلح للإيجار تدر على الأسرة الأموال فيشكل مصدر دخل دائما لها.
6. مساعدة أبناء الأسر المحتاجة للبحث عن الوظائف والحصول على فرص العمل.
إن استخدام أموال العمل الخيري لتطوير إمكانات أفراد الأسر المحتاجة، ودعمهم ليكون لهم مصدر دخل، أفضل بكثير من مَدِّهم بالإعانات والمساعدات، فلا يقتصر الهدف من العمل الخيري على سد احتياجات الأسر الفقيرة فقط، بدل استقطابهم ودفعهم للمشاركة في عملية التنمية ليكونوا مواطنين منتجين، كما أن تحسين مستوى دخل هؤلاء الأسر يرفع من مستواهم الاجتماعي والثقافي، وبذلك تتلاشى حجم شريحة الطبقة الفقيرة في المجتمع، وهنا نستطيع القول إنه كلما زادت فاعلية العمل الخيري تطور مستوى المجتمع… ودمتم أبناء قومي سالمين.