يعد الكتاب وسيلة لحفظ وتوثيق العلوم والمعارف والخبرات وعصارة الفكر الإنساني. وقد تطورت طرق تدوين وتوثيق هذه العلوم، حيث كانت تكتب على قطع الصخور أو الخشب واللحاف، وتحفظ بصور متفرقة، ثم تطور حيث تدوَّن الكتب في عدد من قطع الجلد وتجمع في سفر واحد، ثم ظهرت الكتب الورقية، وظلت تتطور في صور مختلفة على مدى عدة قرون. ومنذ عام 1990م ظهرت الكتب الإلكترونية (E-book) فهي تستخدم كطريقة لتخزين الوثائق ونشرها بين المجموعات المهتمة، ويعرف الكتاب الإلكتروني على أنه صيغة رقمية لنص مكتوب. يمكن قراءة محتويات الكتاب الإلكتروني على أجهزة الحاسب أو الأجهزة الكفية أو باستخدام أجهزة مخصصة لذلك، وقد شاعت الكتب الإلكترونية في السنوات الأخيرة حيث أصبح القراء يفضلونها على الورقية كونها رخيصة الثمن، وتوفر مساحة التخزين في المكتبات علاوة على سهولة نقلها. فجميع الكتب والمطبوعات التي يقتنيها الفرد محفوظة في جهاز صغير؛ إما جهاز (لاب توب) أو جهاز (تاب) أو الهاتف النقال وهي أجهزة خفيفة سهلة النقل، وبعض هذه الكتب مقروءة، وبعضها مسموعة، فهناك صوت قارئ يقرأ صفحات الكتاب ليستمع له المهتم بالاطلاع على هذا الكتاب.
وقد اهتم المسلمون في العصور الإسلامية القديمة بوقف الكتب في مجالات العلوم المختلفة، إذ بدأ بوقف المصاحف ثم قِس على هذا الفعل الصالح، وقف الكتب العلمية مثل العلوم الشرعية، وعلوم الرياضيات، وعلوم الطب، والفلك وغيرها، ومثل هذه الكتب تعد كتبا نفيسة وغالية الثمن وقليلة الانتشار؛ لما تحمله من علوم لها أهميتها لطلبة العلم وللمختصين في المجالات المختلفة، وقد كان طلاب العلم يسعون للحصول عليها وقراءتها والتعلم منها، وقد كانت تودع هذه الكتب في المكتبات العامة، أو في المساجد، أو في المدارس والجامعات أو حتى في بيوت الواقفين، وغالبية الكتب المودعة في هذه المكتبات وقفية. فيقول الدكتور حسن عبدالغني أبوغدة: (…وقل أن يجد المرء مدينة إسلامية ليس فيها مكتبة وقفية خاصة أو عامة، أما العواصم الإسلامية فقد كثُرَت فيها دُور الكتب بشكل لا مثيل له في تاريخ العصور الوسطى، وتسابق الخلفاء والحكام والعلماء والأغنياء والأفراد العاديون من أهل الخير في وقف المكتبات والكتب، إما بصورة رسمية عامة، وإما بصورة فردية خاصة). وقد أسهمت هذه المكتبات الوقفية في تحقيق نهضة علمية وفكرية شاملة، وتعزيز التقدم المعرفي، وتهيئة الظروف الملائمة للإبداع الإنساني، وبناء الحضارة الإسلامية.
ومع انتشار الكتاب الإلكتروني وإقبال القراء والمستمعين عليه، ظهرت فكرة وقف الكتاب الإلكتروني، فهناك ممارسات مختلفة لوقف الكتب الإلكترونية، فالكتاب الإلكتروني عادةً ما يكون له ثمن يدفع قيمته القارئ بالطرق الإلكترونية؛ كي يسمح له النظام الإلكتروني بالاطلاع على صفحات الكتاب أو الاستماع له، أما في حالة رغبة المؤلف أن يوقف الكتاب وقفا خيرا، فيعرضه في المواقع ليكون متاحا بلا مقابل. فأصل الكتاب هو للمؤلف، فيحبس المؤلف الأصل وهو الكتاب ويسبل منفعته، فيصبح الكاتب هو الواقف، والموقوف هو الكتاب، والموقوف عليه هم القراء ومستخدمو الموقع الإلكتروني، فالوقف يجب أن يكون على معيَّن. ووقف الكتب يجب أن يكون على وجه من وجوه البر، فالوقف الخيري يقصد به الأجر والثواب من الله، فلا يصح وقف الكتب التي تدعو للمحرمات ككتب السحر والشعوذة والكتب الداعية للانحراف، كما أن الموقوف هنا وهو الكتاب الإلكتروني ينطبق عليه شرط الاستدامة؛ إذ تظل الكتب الإلكترونية محفوظة، لذا يجب على الواقف التأكد من جودة الموقع الإلكتروني الذي سيختاره ليوقف فيه كتبه، فهذه المواقع يجب أن توفر فرق عمل لصيانتها ومتابعتها والتأكد من تشغيلها.
وقد ظهرت ممارسات عدة لوقف الكتب فبعض المواقع الإلكترونية تفتح المجال لوقف الكتب وقفا خيريا ومثال على ذلك الموقع الإلكتروني (وقف تك) هو مشروع إلكتروني لدعم وتشجيع فكرة الوقف الإلكتروني عن طريق وقف المواقع والتطبيقات، وكل أنواع التطبيقات الإلكترونية، وكل ما ينفع الناس. إذ يطرح الموقع العديد من الكتب الموقوفة التي يستفيد منها طلاب العلم وفق آلية معيَّنة، ويطرح الكتب المقروءة في جميع المجالات مثل: علوم الاقتصاد، وريادة الأعمال، والطب، والسير، والكتب المترجمة، والجميل في هذه التجربة أن هناك الملايين من المستخدمين الذين يرتادون هذا الموقع الخيري ويستفيدون منه من جميع أنحاء العالم. فالكتاب الإلكتروني يستفيد منه الناس في جميع أنحاء العالم، في حين أن الكتاب الورقي يستفيد منه عدد قليل من الناس وتقتصر على القاطنين في المنطقة القريبة من المكتبة التي تحفظ فيها الكتب.
وأخيرا نقول: إن وقف الكتب، سواء كانت ورقية أو إلكترونية، من الأعمال الصالحة؛ لأنها تُعد دعمًا لطلبة العلم، وهي وسيلة لنشر العلم والثقافة بين الناس… ودمتم أبناء قومي سالمين.