مما يميز القرن الحادي والعشرين ظهور ممارسة جديدة، وهي إقامة منافسات بين المختصين في مجال معيَّن تمنح نهايتها جوائز تقديرية لمن يتفوق، حيث يتم الإعلان عن فتح باب المشاركة في المنافسة بالتقدم بأعمال في مجال معيَّن كالطب أو الآداب أو البحوث أو غيرها، وتخضع هذه الأعمال للتقييم من قِبل لجان متخصصة، وتقيِّم هذه اللجان الأعمال المترشحة للمنافسة اعتمادا على أدوات تقييم ومعايير تؤمن حيادية المقيِّمين من قِبل أعضاء اللجنة. ولهذا النوع من المنافسات غايتان رئيستان، منها تشجيع الناس على المزيد من العطاء والإنجاز، والجانب الآخر تقدير المنجزين والمعطائين لجهودهم، خصوصا الروَّاد في المجالات المختلفة. وتكون الجائزة منحة مالية أو عينية يحصل عليها الفائزون، ويحظى الفائز بدعم إعلامي للإعلان عن عمله الفائز الذي استحق التقدير.
وقد تكون هذه الجوائز عالمية يتنافس فيها المختصون من جميع أنحاء العالم، وقد تكون إقليمية، وقد تكون وطنية، ومن أشهر المنافسات العالمية: جائزة نوبل للسلام، وجائزة الملك فيصل العالمية، وجائزة اليونسكو للصحافة، وتحظى الجوائز بمساندة ودعم القيادات، وعادةً ما تُموَّل هذه الجوائز من قِبل المانحين والمتبرعين من قِبل مؤسسات القِطاع الخاص.
والواقع أن هناك المئات من المنافسات العالمية، في شتَّى المجالات، والتي تتنوع في أهدافها وأغراضها.
ومنها الجوائز والمنافسات التي انتشرت في الفترات الأخيرة، المنافسات في مجال العمل التطوعي. فمما لا شك فيه أن الدافع الطبيعي للعمل التطوعي هو الرغبة للحصول على الأجر والثواب، إلا أنه من الطبيعي أن يحتاج المتطوعون لإحساس بالتقدير من قِبل الآخرين لعطائهم وجهودهم. كما أن المتطوعين يتعرضون للإحباط والانكسار نتيجة الصعوبات التي تواجههم في تنفيذ برامجهم ونتيجة ردود فعل الناس التي يلاقونها أثناء العمل التطوعي، وقد تنتج خلافات بين المتطوعين وبعضهم البعض، أو خلافات بين المتطوعين والمستفيدين من العمل التطوعي. لذا قد يصاب المتطوعون بالإحباط وضعف الهمة، فهم يحتاجون للتشجيع والدعم ورفع المعنويات لمساعدتهم على الاستمرار في العطاء بدون مقابل والمواصلة في طريق التطوع، فهذه الجوائز تحفز المتطوعين وتثير أجواء الحماس والمنافسة بين المتطوعين لبذل الجهود في خدمة أوطانهم، وخدمة الناس والمجتمع، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وقد انتشرت جوائز تحفز المتطوعين والمانحين للعمل التطوعي في صوَر متعددة، كأن تكون المنافسة بين المتطوعين فيمن يقدم أكبر عدد من الساعات التطوعية، أو لمن يقدم أفضل خدمة للأعمال الإنسانية، لا سيما في الفترات الحرجة كحالة الكوارث، أو انتشار الأوبئة أو غيرها، أو لمن يقدم أفضل خدمات إلكترونية تطوعية، وتقام الاحتفالات عند الإعلان عن الفائزين بهدف تشجيع الناس بصورة عامة والمتطوعين بصورة خاصة على العمل التطوعي.
كما انتشرت منافسات بين المنظمات الأهلية لأفضل أداء مؤسسي، ولأفضل قدرة على الإدارة المالية، هذا بالإضافة إلى منافسات تحفز المانحين والمُموِّلين للعمل التطوعي، فتمنح الجائزة لمن يكون أكثر تعاونًا ودعمًا للبرامج التطوعية، كـبرامج دعم مرضى السكري، ومرضى السرطان، أو برامج المنح الدراسية أو برامج رفع المستوى المعيشي للأسرة.
وللجوائز في مجال العمل التطوعي وجْه آخر، حيث تحمل الجوائز اسم المتبرع أو اسم البلد الذي يطلق المنافسة بهدف توثيق جهود وعطاء المتبرع، وتخليدا لاسمه كجائزة نوبل للسلام، وجائزة السلطان قابوس للعمل التطوعي، وجائزة سُمو الشيخة حصة لدعم العمل التطوعي والخيري والاجتماعي، وجائزة أمير المنطقة الشرقية لسنابل الحصاد. وجائزة الشيخ عيسى بن علي للأعمال الإنسانية.
وأرى أن ظاهرة إطلاق المنافسات التشجيعية ظاهرة صحية محفزة، وأتوقع استمرارها في المجتمعات، إلا أنني أرى أن المبالغة فيها تفقد أهميَّتها وتحوُّلها من وسيلة لإبراز قصة النجاح والتميز إلى مصدر للإحباط، وقد يؤتي نتيجة عكسية فيتراجع البعض عن العمل التطوعي؛ لِما تسببه هذه الجوائز من إحباطات لمن يخسر في مثل هذه المنافسات، وخير الأمور الوسط… ودُمْتم أبناء قومي سالمين.
نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري